فائدة: القهقهة في غير الصلاة مكروهة عند الفقهاء وحرام عند الصوفية قاله الأقفَهْسِي كما في الشيخ أحمد ولعل المراد بالحرمة الكراهية الشديدة أو أنهم نظروا لمعنى يوجب التحريم عند الفقهاء لو اطلعوا عليه إذ الصوفية لا يخالفون الشرع ومن ذلك قول بعض الصوفية بجواز سماع آلة اللهو المحرمة عند الفقهاء لسماعهم منها ذكر الله دون اللهو فالجواز قاصر على من هو بتلك الصفة ومنه إتلاف الشبلي ما يلبسه بنحو حرقه مجيباً من قال له جاء النهي عن إضاعة المال بأن إضاعته لمداواة مرض بدني غير منهي عنه بل مطلوب فكيف بإضاعته لمداواة مرض ديني وأنا أفعله لذلك اهـ وسلمه محشوه والشاهد في قوله المحرمة عند الفقهاء أي جمهورهم فهذا يدل على جوازها للصوفية خلافاً للشيخ زروق وقد يجاب عنه بأنه لم يبحها جميعهم بل بعضهم فيكون هو ماشياً على قول من منعها منهم ويدل على أن منهم من منعها كلام الزرقاني المتقدم فإنه نسب الجواز لبعضهم لا لجميعهم.
ويدل على ما ذكر أيضاً قول العارف الرباني سيدي عبدالوهاب الشعراني في كتابه لطائف المنن ما نصه ومما أنعم الله تبارك وتعالى به عليّ كراهة سماعي للغناء على الآلات المطربة من حين كنت صبياً عملاً بنهي الشارع صلى الله عليه وسلم عن ذلك فتحصل أنه كما اختلف فيها أهل الظاهر اختلف فيها أهل الباطن إلا أن الراجح مختلف فالراجح عند أهل الظاهر المنع والراجح عند الصوفية الجواز والله أعلم.
ولنرجح لما نحن بصدده من النصوص الدالة على أن المشهور الحرمة فنقول وقال العلامة أبو عبدالله سيدي الطالب بن الحاج في حاشيته على المرشد المعين ما نصه الملاهي الملهية وهي العود وجميع ذوات الأوتار حرام في الأعراس وغيرها كما في باب الشهادة من التوضيح نقلاً عن المازري ونحوه لابن عرفة وصاحب المدخل وهو المشهور في مذهب الشافعي وأبي حنيفة وأحمد قال ولم أر من صرح بالخلاف في ذلك من المالكية إلا من عبر في كراء المعازف بالكراهية ومن عبر في العود والرباب بالكراهة كابن المواز وابن عبدالحكم قال وقد يريدون بالكراهة التحريم كما في التوضيح والعلة في ذلك شدة الإطراب المؤدي إلى الاستكثار المنبت للنفاق في القلب نقله في المدخل عن ابن عيينة اهـ منه وقوله ولم أر من صرح بالخلاف في ذلك من المالكية انظر مع ما نقله هو نفسه قريباً عن ابن العربي في العارضة من أن مذهبه الإباحة وهو من المالكية فلعله لم يطلع على كلامه أولاً فتحصل أن سماع الآلة جائز للصوفية حرام على غيرهم على المشهور كما صرح بذلك أصبغ وابن رشد والشيخ ابن أبي زيد والتوضيح والمازري وابن عرفة وهو المشهور أيضاً في مذهب الشافعي وأبي حنيفة وأحمد وأن علة التحريم كونه ملهياً عن الملك الحق لما فيه من شدة الإطراب وقد صرح بهذه العلة الإمام الساحلي والشيخ بناني والشيخ التاودي وابن حجر والحطاب وابن رشد وأنه لا فرق في التحريم بين الأعراس وغيرها خلافاً لتفصيل الزرقاني ونصه واعلم أن الغناء إما بآلة أو بغيرها وفي كل إما أن يحمل على تعلق بمحرم أو لا وفي كل إما أن يتكرر أو لا وفي كل إما فعلاً أو سماعاً وفي كل إما في عرس أو صنيع وإما في غير ذلك فمتى حمل على تعلق بمحرم حرم فعلاً وسماعاً تكرر أم لا بآلة أو لا في عرس أو صنيع أو نحوهما أو في غير ذلك ومتى لم يحمل على محرم جاز بعرس وصنيع فيمنع إن تكرر بآلة وغيرها فعلاً وسماعاً وإن لم يتكرر كره سماعاً وهل كذا فعلاً أو يمنع اختلاف اهـ كلامه بلفظه وقد رده العلامة الرهوني بأنه خلاف ما في المعيار عن المازري من أنه بالآلة حرام وبكلام ابن عرفة فإنه قال الظاهر عند العلماء حرمته اهـ.