والمنافع فيما نحن بصدده تشمل ما يقابل الأعيان وهو الأعراض وثمرات الأعيان سواء كانت متولدة منها أو غير متولدة منها والمنافع المختلف فيها هي المقابلة للأعيان، والمال عند المالكية يشمل المنافع والحقوق.
والمنافع بحد ذاتها تعتبر أموالاً عند جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة وأنها تحاز بحيازة أصلها ومصدرها.
وسبب اختلاف الحنفية مع سائر الفقهاء في تعريف المال ثم في مالية المنافع اختلاف الأعراف فيما يعد مالاً وما لا يعد، فالمال ليس له حد في اللغة ولا في الشرع، فرجع في تحديده للعرف.
ولا شك في ترجيح مذهب الجمهور لأنه هو المتفق مع عرف الناس والمتسق مع أغراضهم ومعاملاتهم؛ فاسم المال كما يقول السيوطي: "لا يقع إلا على ما له قيمة وما لا يطرحه الناس".
والمنافع عند الحنفية لضرورة الحاجة أعطيت حكم الموجود وجوزوا أن تكون محلاً للعقد فأقاموا العين مقام المنفعة في العقود، وعلى ذلك تعتبر عندهم مالاً بورود العقد عليها مراعاة للمصلحة وإن لم تكن مالاً عندهم بحسب الأصل.
بل إن المنافع المتوقعة يصح أن تكون محلاً للبيع كما يقول الرملي، وصرح بالتجارة في المنافع.
وفي هذا يقول الدسوقي: المنافع المتمولة يعاوض عليها.
والحقوق المعنوية بما ترد عليه من أشياء غير مادية لها قيمة مالية ومتمولة بتمول الناس لها وجريان أعرافهم العامة والخاصة بذلك لحاجة الانتفاع بها وحمايتها، ومن هنا تماثل المنافع في الاصطلاح الفقهي ومن ثم تجري فيها – أي الحقوق المعنوية – الحيازة الخاصة بها والمتمثلة في نسبتها إلى صاحبها وصدورها عنه.
وأنها كذلك – أي الحقوق المعنوية – تكون محلاً للملك بمعنى الاختصاص والاستئثار ومن ثم الاستغلال المالي.
وعلى هذا فالحقوق المعنوية تمثل منفعة معتبرة أو هي من قبيل المنافع المعتبرة في نظر الشارع، وليست في ذلك أقل شأناً من هبة الثواب على ما ذهب إليه بعض الفقهاء كالشاطبي من ماليتها وقابليتها للملك والتصرف ولا أقل شأناً من بيع حق التعلي عند المالكية حيث جاز فيه بيع الهواء.
وقد أجاز الفقهاء إطلاق الحق على المنافع والمصالح سواء كان الحق مجرداً أو غير مجرد، أي مقرراً، وإذا أطلق الحق على المنافع فهو من المال عند جمهور الفقهاء عدا الحنفية إذا أريد به منفعة أو مصلحة مالية.
والحقوق المعنوية تجمع بين صفتي الحق المجرد والمقرر معاً:
فالجانب الأدبي المعنوي فيها متعلق برغبة ومشيئة صاحبها مملوكة له ومنسوبة إليه وصادرة عنه، إن رأى الخير في الانتفاع بها انتفع وإن رأى غير ذلك ترك.
التعامل التجاري بيعاً وشراء، والحقوق المعنوية مناطها الفكر الابتكاري والجديد وهي أمور ذهنية لصيقة بالشخصية الطبيعية إن لم تكن منها، وهذا الشق لا ينفك عنه أي من الحقوق المعنوية بما يستطيعه صاحبه فيه من التغيير أو الإلغاء أو التجديد.
ومن هذا الجانب أو الشق يصعب القول بأن الحق المعنوي يمكن إدخاله في "كينونة الإعداد للبيع" التي هي جوهر ضوابط عروض التجارة التي تخضع للزكاة، ومن ثم يصعب القول بأن هذه الحقوق أصبحت بمثابة السلع المعدة للبيع؛ فالشق المعنوي أو الأدبي كامن فيها يتمتع فيه صاحبه بإرادته وما يترتب على ذلك من سلطات حقوقية مالية له فيها.
ولهذا يدخلها أهل المحاسبة ضمن الأصول الثابتة في المشاريع الاستثمارية المعاصرة لأنها لم تتخذ بقصد بيعها وإنما بقصد استغلالها في زيادة معدلات الربح للمشروع.
هل الجانب المالي في الحقوق المعنوية من قبيل المستغلات؟
إذا اتخذ الحق المعنوي للاستغلال ومن ثم تتجدد منفعته فهو يدر على صاحبه كسباً ودخلاً، ولكن "عينه قد لا تبقى" فهي تدور مع رغبة صاحبه وتعديله أو تحسينه أو العدول عنه.
والمستغلات تتفق مع الحق المعنوي من وجهة إدراره على صاحبه كسباً ودخلاً، وتختلف عنه في بقاء عينها ما أعدت للنماء أي في أصلها المادي البحث، فضلاً عن أن زكاة المستغلات إنما تجب على رأي الموسعين في إيجاب الزكاة لعموم الأدلة وقياس المال المستغل على المال المتجر فيه؛ وفي أن يصبح المقيس أي الفرع أصلاً أو في اعتبار المقيس أصلاً كلام ليس هنا بحاله.
وعلى ذلك تزكى زكاة النقدية بشروطها، هذا والله أعلم.