للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٢ - أن الخلاف في أصل حجية الإجماع لم يظهر له – حسب علمي – أثر في التطبيق؛ لأن المنكرين لها – إذا استثنينا الإمامية – قلة من المتكلمين ليسوا بأصحاب مذاهب لها فروعها المبنية المدونة.

أما الإمامية فإن خلافهم – فيما يحكي فيه أهل السنة الإجماع – ليس راجعا إلى مسألة حجية الإجماع، بل إلى مسألة تحقق الإجماع وانعقاده؛ لأنهم – حين يسلمون بتحققه في مسألة – لابد لهم من الأخذ بها أجمع عليه، وإن كان مستندهم – في هذه الحالة – هو قول المعصوم الداخل في جملة المجمعين، فالنتيجة واحدة، ولذا لم يظهر لي أن للاختلاف في حجية الإجماع أثراً عند التطبيق.

ثانياً: الملحوظات والمقترحات:

١ – أن المثبتين للإجماع والمنكرين له أطالوا في بحث مسائل: (إمكان وقوع الإجماع، وإمكان العلم به، وإمكان نقله)، وكأن الإمكان هو المقصد الأهم.

والمقترح: أن يصرف الجهد إلى المسألة التي حكي وقوع الإجماع عليها وتحقيق القول فيها، إذ أن هذا هو الغاية الأولى، فإذا كان المستدل في مسألة يحكي الإجماع عليها، فالأمر قد تجاوز الإمكان إلى الوقوع، فلا يبدو – حينئذ – أن لبحث موضوع الإمكان وجها، وبخاصة أن الأمر يتعلق بإمكان عادي أو استحالة عادية، والمستحيل العادي ليس له صفة الثبات؛ فما يكون مستحيلا – عادة – في وقت قد يقال بإمكانه في وقت آخر، تبعا لتغير الظروف.

٢ – أن مسائل الإجماع المحكية في مصادرها (وموسوعاتها) لم تحظ بما تستحق من التحقيق والتنقيح وتمييز الثابت من غيره، ولم تخضع لمعايير نقد السند والمتن، وكان المنتظر أن تحظى بمثل ذلك؛ لأنها جزئيات دليل ثابت من أدلة التشريع، فهي كجزئيات دليل السنة النبوية التي حظيت بذلك كما لا يخفى.

والمقترح: أن تتضافر جهود الباحثين لتتبع مسائل الإجماع المنقولة في مصادرها، ونقدها، فالإجماع دليل نقلي، وله سند ومتن، فيجب أن يحقق القول فيهما.

٣ – أن الذين يستدلون بالإجماع يذكرون في كثير من المواضع – إجماعات مجردة؛ فيقولون – مثلا -: (دليلنا الإجماع؛ فقد أجمع العلماء على كذا) أو نحو ذلك.

والمقترح: اتباع المنهج الآتي للاستدلال بالإجماع:

أ – ذكر الطريق الذي ثبت به الإجماع – إما بالرواية أو بالعزو إلى كتاب – مع تصحيح ذلك الطريق، وبيان نوع النقل (متواتر أم مشهور أم آحاد؟)، وذكر عبارة الناقل.

ب – ذكر صفة الإجماع، وذلك ببيان دليل حصول الاتفاق بين العلماء (قول الجميع، أم فعل الجميع، أم قول بعضهم وفعل البقية، أم قول بعضهم وسكوت البقية، أم فعل بعضهم وسكوت البقية؟).

جـ - ذكر وجه الدلالة من متن الإجماع (نص أم ظاهر؟ منطوق أم مفهوم؟ ... )

وأخيرا: أرجو أن يسهم هذا البحث (مناقشة الاستدلال بالإجماع) في تكوين منهج يعين على تطبيق تلك المقترحات.

والله ولي التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>