تاسعا: القول بصلاة أربع ركعات بعد الجمعة للاحتياط – الذي قال به متأخرو فقهاء الشافعية والحنفية – لا أصل له، بل هو من باب البدع المحدثات في الدين، نسأل الله الاستقامة على الحق وعلى هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – آمين.
عاشرا: المصر الجامع غير شرط لصحة صلاة الجمعة خلافا للحنفية، بل تصح إقامتها في القرى، إلا أن الأولى والأنسب بروح هذه الشعيرة أن تقام في أكبر مساجد القرية الذي يسعهم جميعا، وهو القول المختار عند الحنفية، باعتبار تعريف المصر الجامع بموضوع إذا اجتمع أهله، في أكبر مساجدهم لم يسعهم.
الحادي عشر: أن الأذان الثالث – الذي يرفع قبل صعود الإمام المنبر يوم الجمعة – من سنة عثمان بن عفان رضي الله عنه، ولم يكن في عهد الرسول – صلى الله عليه وسلم – وأبي بكر وعمر، وقد أمر به عثمان على الزوراء حين كثر الناس، فوافقه الصحابة بالسكوت وعدم الإنكار، فأصبح أذان عثمان للإعلام، والأذان الثاني – الذي يرفع عند صعود الإمام المنبر – للإنصات، كما قال الحافظ في الفتح. فأمر عثمان بذلك كان ناشئا عن حاجة إليه، وما دامت تلك الحاجة قائمة، فالأذان الثالث سنة، وبانتفائها تنتفى سنيته، والذي يلاحظ هو أن تلك الحاجة منتفية في بعض كبار المساجد في هذا العصر، لكن القائمين بها مازالوا متمسكين بأذان عثمان، فما أدري ما هو المبرر لهم مع العلم بأن أذانهم الأول لا تفصله عن الأذان الثاني إلا دقائق معدودة لا تتسع ولا لصلاة ركعتين.
الثاني عشر: إذا اجتمع يوم الجمعة بيوم العيد تسقط صلاة الجمعة عمن صلى العيد مع الجماعة، سواء كان من أهل البلد أو ضواحيه في الراجح.
الثالث عشر: اتضح لي من خلال عرض ودراسة الأقوال حول السنة قبل الجمعة، أنه لا سنة قبلها غير تحية المسجد للداخل؛ ذلك لأن السنة – كما هو معلوم – ما ثبت بقول الرسول – صلى الله عليه وسلم – أو فعله، ولم يصح في السنة قبل الجمعة شيء من ذلك.
الرابع عشر: أن الغسل يوم الجمعة مستحب عند الجمهور وهو أقرب إلى روح التشريع، إلا عند وجود رائحة كريهة.
الخامس عشر: يوم الجمعة يمتاز بخصائص عظيمة عن غيره من أيام الأسبوع، ومن أعظم تلك الخصائص ساعة الإجابة فيه، حيث قال النبي – صلى الله عليه وسلم –: (إن في الجمعة لساعة لا يوافقها مسلم يسأل فيها خيرا إلا أعطاه إياه، قال: وهي ساعة خفيفة). الحديث رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة.
وتلك الساعة باقية – في الراجح – إلى يوم القيامة وتكون في كل جمعة، ووقتها في اليوم من حين صعود الإمام إلى فراغ الصلاة؛ لما صح من حديث مسلم عن أبي موسى في ذلك، وآخر ساعة بعد العصر لحديث عبد الله بن سلام وقد صححه العلماء، هذا إذا قلنا بالتنقل، وأما إن نفينا تنقلها في اليوم، فهي آخر ساعة بعد العصر في الراجح عند العلماء.
وبعد هذا العرض الموجز – للقول الراجح في أهم نقاط الخلاف الذي يدور بين العلماء حول صلاة الجمعة وأحكامها – أتضرع إلى الله عز وجل أن يعفو عني زلاتي، وما لم يحالفني فيه الصواب، وأن يقبل عني هذا الجهد المتواضع قبولا حسنا وأن يريني الحق حقا ويرزقني اتباعه، والباطل باطلا ويرزقني اجتنابه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
آمين.