والفرق بين القضاء والحسبة: هو أن المحتسب يسمع الدعاوي المتعلقة بظواهر المنكرات وليس له سماع الدعاوي الخارجة عن ظواهر المنكرات كالدعاوي المتعلقة بالعقود والمعاملات والمطالبات، بينما القاضي له سماع هذه الدعاوي.
وكذلك الدعاوي التي أبيح للمحتسب سماعها تقتصر على الحقوق المعترف بها، أو سبق بها الحكم، أما ما يدخله التجاحد والتناكر فلا يجوز له النظر فيه، بينما القاضي ينظر في هذه القضايا كلها.
كما أن المحتسب لا يحتاج إلى متظلم أو رفع شكوى، بل له أن ينظر في أحوال الناس فيأمر بالمعروف المتروك، وينهى عن المنكر المعمول به، بينما القاضي لا يحكم ولا ينظر إلا بعد رفع الشكوى إليه.
١٢ - لا يجوز أن تتولى المرأة منصب القضاء، ولا يصح قضاؤها، ولو قضت لم ينفذ، لأن القضاء من أعظم المناصب وأخطرها، وهو من الولايات العامة، بل هو أعلى من كل منصب، لأن القاضي يحكم على الإمام أيضا، والمرأة لا تصلح للإمامة ولا للقضاء لأنها ناقصة العقل والدين، وهي مأمورة بالقرار في البيت، وعدم الاختلاط، والخلوة بالأجانب، والقاضي يحضره الخصوم من كل فئة، وفيهم صالح وطالح، وقد يفتتن بها بعض الخصوم أو تفتتن به، وقد يكون بعض الخصوم ألحن من الآخر في حجته، وعنده حيل لا ينتبه لها كثير من الرجال، فلذا ينبغي أن يكون القاضي فطنا ذا رأي وخبرة، والمرأة قليلة الخبرة بحكم عدم مخالطتها الرجال فلذا لا يجوز كونها قاضية، وعليه تدل الأدلة الصحيحة، وهو مذهب الجمهور، حتى وافقهم الأحناف، فهم لا يجيزون تولية المرأة منصب القضاء، ويقولون: لو وليت يأثم المولي، ولكن يخالفون الجمهور في أنها لو قضت في حكم ينفذ حكمها مع أثم المولي، بينما الجمهور يقولون: لا ينفذ.
وكذلك لم يثبت ما نسب إلى ابن جرير الطبري وغيره من جواز ذلك، إلا ما قال به ابن حزم في المحلى، فله رأي خاص في هذا، فلذا قال بعض العلماء بأن عدم جواز تولي المرأة القضاء أمر مجمع عليه.
١٣ - من متعلقات القضاء الشهادة: والمرأة أهل للشهادة في الجملة، وهي تقبل منفردة في أمور، وتقبل مع الرجال في أمور، ولا تقبل مطلقا في أمور:
فتقبل شهادة المرأة المنفردة في أمور خاصة بالنساء التي لا يطلع عليها الرجال كعيوب النساء والبكارة والثيوبة ونحو ذلك وتقبل شهادتها في الديون المؤجلة والمعاملات المالية مع الرجل وتكون شهادة المرأة الواحدة مثل نصف شهادة الرجل ولا تقبل شهادة النساء مطلقا _ لا منفردات ولا مع الرجال _ في غير الأموال وأمور النساء فلا تقبل في الحدود والقصاص والنكاح والطلاق والرجعة ونحو ذلك مما ليس بحد ولا قو د، ولا مال ويطلع عليه الرجال غالبا.
ومن هنا يتبين أن المرأة فضلت على الرجل في أمور، وفضل الرجل عليها في أمور، وكل ذلك من شرع الله الحكيم، فقد جاء موافقا لطبيعة كل من الرجل والمرأة، ومعتبرا لتخصص كل منهما في مجاله، فالمرأة ناقصة العقل والدين، يطرأ عليها النسيان والغفلة وهي لا تعي ما ليس مناسبا لفطرتها، فهي لا تستطيع مشاهدة المواقف المخيفة من القتال والجدال والمضاربة، ولا تحضر مجالس النكاح ونحوها لأجل حيائها، فلا تدرك ولا تعيي ما يجري في مثل هذه المواقف فكيف تشهد، وتعتبر شهادتها في الأموال نصف شهادة الرجل لنسيانها حتى لو نسيت ذكرتها الأخرى، ولكن قبلت امرأة واحدة منفردة في أمور النساء لأنها أعرف لهذه الأمور وأحفظ لها من الرجل، فلكل مجال تخصصه.
١٤ - الحسبة نوعان: حسبة تطوع، وحسبة رسمية، ولا يشترط للمحتسب المتطوع أن يكون ذكرا، بل المرأة مطالبة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإصلاح بين الناس، ولكن تكون حسبتها في مجالات مناسبة لها.