١٤ - إن المتابع لتطبيقات النظرية الحديثة للتأويل على النصوص الشرعية يجد أن المناهج النقدية العاملة في النصوص الشرعية قد أفرزت عدداً من المفاهيم التي صارت مع الممارسة والتنظير أشبه بالقوانين الحتمية في التعامل مع النصوص الشرعية – وإن كانت لم تبن على أساس علمي – كأسبقية العقل على النص أو سلطة الواقع وغيرها، وهذه المفاهيم أصبحت تحل بشكل تدريجي محل المفاهيم الشرعية المتفق عليها كحجية القرآن وسلامته من النقص وحقيقة أخباره عن الماضي أو المستقبل، وأن تعظيم القرآن ناشئ من كونه كلام الله سبحانه وتعالى وغير ذلك من المفاهيم الشرعية.
١٥ - إن النظرية التأويلية الحديثة باعتبارها حزمة من النظريات المتداخلة؛ هي نظرية غير مستقرة، وكثير من بناها الأساسية لم يحسم بعد، بل وجدت معارضة بعمومها من بعض النقاد الغربيين من حيث إنها شرعت للفوضوية في فهم النص ولم تقدم معايير منضبطة في الفهم والتأويل، وعموم مفردات النظرية كاللسانيات الحديثة والمنزع الماركسي والفرويدي خضعت لمحك النقد والمعارضة، ولم تؤخذ في النقد الغربي على وجه الإطلاق، بل إن بين هذه المدارس التأويلية صراع عنيف، وليس هناك اتفاق بقدر ما هنالك اختلاف، ومثل ذلك في المقولات التأويلية المشهورة كموت المؤلف أو لانهائية التأويل.
١٦ - إن عدم استيعاب الفكر العربي العاصر لعدم استقرار النظريات التأويلية الغربية؛ ولد بدوره التعامل غير العلمي مع هذه النظريات، بحيث كان التعامل معها تعاملاً مطلقاً غير مستوعب لما تواجه هذه النظرية من مآزق في النقد الغربي نفسه، ويأتي هذا الاستعمال العربي لنظرية التأويل كحقيقة مطلقة بدون تكليف العناء في البحث عن النزاعات التي أثيرت تجاه كثير من الأمور المفصلية في النظرية ذاتها.
١٧ - إن مفهوم النص في الثقافة الغربية يخالف مفهوم النص في الثقافة العربية والتي نزلت بها النصوص الشرعية، فإذا كان النص في الثقافة الغربية يدل على معنى النسيج المتشابك المتداخل؛ فإن النص في الثقافة العربية له مدلولات مغايرة لا تجتمع مع المدلول الغربي، وحمل مفهوم النص في الثقافة العربية على مفهوم النص في الثقافة الغربية وإعمال ذلك في النصوص الشرعية يعتبر خلطاً وتشويشاً من حيث إن مفهوم النص في الثقافة الغربية لا يمكن أن يتحرك بانسجام مع المناخ الذي تتحرك فيه النصوص في الثقافة العربية، ولا يمكن بهذا النقل المبسط تجاوز المشكلات التي تنجم عند نقل مفهوم مصطلح من حقل معرفي إلى حقل معرفي آخر.
١٨ - إن لنتيجة مساواة النظريات التأويلية الحديثة بين النصوص الدينية والبشرية أن حصل خلط في المناهج المستخدمة في التعامل مع هذه النصوص المتغايرة؛ حيث استبعدت خصائص النص الديني وخصوصاً ما يتعلق بمصدرية النص، ليبقى المنهج المستخدم في دراسة هذه النصوص أكثر حرية وانطلاقاً، ويرجع السبب في ذلك أيضاً إلى أن هذه النظريات والمناهج النقدية نشأت في بيئة مغرقة في الإنسية وتستبعد كون الوحي مصدراً للمعرفة، ولذلك فالمعرفة المفارقة ليس لها اعتبار مقارنة بالمعرفة المتولدة من الإنسان سواء كانت عقلية مجردة، أو ناتجة عن الحس أو التجربة.
١٩ - إن عدم اعتبار البنية المتكاملة للنص القرآني في الخطاب التأويلي الحديث تولد عنه عدم ضبط في موضوع الدلالات وفهم النصوص بشكل عام. حيث إن النص القرآني نص كلي متكامل؛ ولذلك فإن فهم وحدة نصية منه مشروط بتساوق الفهم العام للنص الكلي، هذا إلى جانب مراعاة السياق الخارجي للنص والمتمثل باعتبار استقبال المخاطبين الأوائل له.