للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - من الممكن أن تؤثر الأجور في إحداث تقلبات الأسعار حتى في ظل النموذج التنافسي الذي يعمل فيه الاقتصاد الإسلامي، وذلك فيما إذا كانت الأجور تزيد أو تنقص بنسبة تختلف عن نسبة زيادة الإنتاجية.

وقد ناقشنا بعض النماذج من التاريخ الإسلامي، وتوصلنا إلى أن الإطار النظري الذي قدمناه يتوافق إلى حد كبير مع بعض التجارب التاريخية.

رابعاً:

ناقشنا في الباب الثاني من هذا البحث الآثار الاقتصادية والاجتماعية للتغيرات في قيمة النقود، وكما تشير الدراسات الاقتصادية المعاصرة، فإن التغيرات في قيمة النقود تؤدي إلى:

- إعادة توزيع الدخل الحقيقي والثروة القومية بطريقة عشوائية لا تستند إلى أي أساس شرعي أو منطقي.

- كما أنها تؤثر تأثيراً سلبياً في الدخل القومي ومعدل النمو الاقتصادي.

- كما أنها تشوه نمط الاستثمار في المجتمع، إذ تعمل على نزوح الاستثمار من القطاعات الأساسية إلى القطاعات الثانوية وغير المفيدة لتقدم الاقتصاد ونموه.

- إضافة إلى ذلك، فإن التغيرات في قيمة النقود تؤدي إلى اختلال ميزان المدفوعات, ويشكل ذلك في الواقع استنزافاً لموارد الدولة لصالح الدول الأخرى.

وبعد مناقشة وافية لهذه النقاط، توصلنا إلى أن الآثار المترتبة على التغيرات في قيمة النقود تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية، وذلك من خمس نواح:

الناحية الأولى: تؤدي التغيرات في قيمة النقود إلى الإضرار بمصلحة المجتمع الكلية، إذ أنها تؤثر في قدرة الأمة في النهوض والتطور والأخذ بأسباب القوة، وذلك بتأثيرها السيئ على الوسائل المادية التي تساعد على النمو والتطور، وعلى ذلك فهي تدخل في نظاق الضرر العام الذي يجب أن يمنع بناء على قوله صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار).

الناحية الثانية: تؤدي التغيرات في قيمة النقود إلى الإخلال بقضية الملكية الخاصة المصونة في الشريعة الإسلامية، إذ يترتب عليها انتقال الثروة والدخل الحقيقي من فئات اجتماعية إلى أخرى، فهي في واقعها سرقة خلقية وأكل لأموال الناس بالباطل.

الناحية الثالثة: تؤدي ظاهرة التضخم في العصر الحاضر إلى تحقيق المبدأ الرأسمالي التقليدي الذي يدعو إلى تركيز الثروة عند فئة الرأسماليين. فالتمويل التضخمي في العصر الحاضر، ما هو إلا وسيلة لتركيز الثروة عند الدولة أو عند الرأسماليين، بحجة أن ذلك وسيلة للنمو الاقتصادي. وقد أثبتنا بالتحليل والتجربة فساد هذا الرأي، خاصة في الدول النامية. وأثبتنا أنه لا يجوز شرعاً للدولة الإسلامية أن تنتهج هذا النهج في التنمية، لأنه لا تنطبق عليه شروط المصلحة. إذ أنه يعارض مصالح ورد بها النص الشرعي، كما أن وجه المصلحة فيه موهوم إن لم نقل معدوم، كما أنه لا يعتبر وسيلة لرفع حرج عن المسلمين، فقد دلت التجارب على أن الاستقرار في مستوى الأسعار – مع بعض الشروط – يعتبر أفضل مناخ للنمو الاقتصادي المقرون بالعدالة.

الناحية الرابعة: تؤثر التغيرات في قيمة النقود تأثيراً سيئاً في أصحاب الدخول الثابتة والمتغيرة. ومن وظائف الدولة في الإسلام ترشيد سياستها الاقتصادية بحيث تهيئ لهذه الفئات حياة كريمة، كما دلت التجارب على أن انتشار الظلم الاجتماعي في فترة تقلبات الأسعار يؤدي إلى تخفيض إنتاجية العمال.

الناحية الخامسة: تؤثر التغيرات في قيمة النقود في سلوك الأفراد الملتزم بالشريعة الإسلامية، ومن وظائف الدولة في الإسلام العمل على أحكام صلة الناس بخالقهم بكل الوسائل والأساليب.

<<  <  ج: ص:  >  >>