١٢ - مع وجود المجتهدين في كل العصور إِلا أن العدد الذي يتأدى به فرض الكفاية منهم في القضاء والفتيا لم يتوافر في بعض العصور وفي بعض البلدان والنواحى، ولهذا أجمع أهل الفتيا على جواز تولية القضاء والفتيا لغير المجتهدين للضرورة.
١٣ - الفتوى شأنها عظيم، وخطرها جسيم، فهي توقيع عن الله، ودخول بين الله وبين خلقه، والقائم بها معرض للخطأ، فعليه أخذ الحيطة والحذر وعدم الإِقدام عليها إِلا بعد التأهل لها مع شدة المراقبة لله وملازمة التقوى.
١٤ - ولهذا كان السلف يتحاشونها، ويود كل واحد منهم أن يكفيه غيره تحملها ومع ذلك لم يضيعوها أو يفرطوا في التأهل لها والقيام بها عند الحاجة إِليهم.
١٥ - الفتوى قد تتغير بتغير الزمان والمكان والحال، وذلك تبعاً لتغير العادات التي علقت بعض أحكام الشرع عليها، وهذا أحد لوازم صلاحية الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان، فلو جعلت أحكامها وفق عادات زمن معين أو مكان معين فيما يتعلق من الأحكام بالعوائد المختلفة لواقع الناس في ضيق وحرج. وما جعل الله على الناس في الدين من حرج.
١٦ - العوائد والأعراف التي علقت عليها بعض الأحكام الشرعية، وتتغير بتغيرها هي العوائد والأعراف التي لم يرد في الشرع طلبها بعينها أو منعها بعينها.
١٧ - فكل ما طلبه الشرع بعينه من العوائد إِيجاباً كالتنزه عن الأنجاس والتطهر منها وستر العورات، أو منعه الشرع بعينه كاجتناب الخبائث، وتحريم بعض المعاملات كالربا ونحوه، كل ذلك لا يجوز تغيير الحكم فيه منعاً أو إِباحة بسبب تغير العرف والعادة فيه.
١٨ - من شروط صحة الفتوى، ومن واجبات المفتي معرفة الوقائع وفهمها على حقيقتها فهما صحيحاً، والإِحاطة بجميع جوانبها وملابساتها، ومعرفة عوائد الناس وأعرافهم وأحوال المستفتين لتكون فتواه في محلها، وإِيقاع الأحكام مواقعها.
١٩ - الأحكام الشرعية لازمة لكل مكلف في كل زمان ومكان وحال متى ما توافرت الأسباب والشروط وانتفت الموانع، ولا تأثير لدار غير المسلمين في ترك واجب أو فعل محظور إِلا بعذر من الأعذار المعتبرة شرعاً.
٢٠ - الشريعة الإِسلامية اشتملت على أحكام أفعال العباد في كل الأحوال والأزمان والبقاع، وعلى المجتهدين والمفتين استنباط تلك الأحكام من أدلتها التفصيلية، أو من أصولها الثابتة الشاملة وقواعدها العامة الراسخة، واستعانة المفتين في العصور المتأخرة باجتهادات المجتهدين في مختلف العصور السابقة، مع ضرورة مراعاة الوقائع وخصائص كل واقعة ونازلة على حدة، ليطبق عليها الحكم المناسب.
٢١ - قد تنشأ أمور تتعلق بالعبادات أو المعاملات بسبب الإقامة في ديار غير المسلمين، تحتاج إلى بيان أحكامها، وهي في حقيقتها لا تخرج عما قرره الشرع من معاملة المسلم لغير المسلم، ومن تكليف المسلم بما كلفه الله به في الحالات العادية والظروف الطارئة.
وعلى المسلم المكلف التعرف على حكم الله فيما يخصه، وسؤال أهل العلم والاجتهاد قدر المستطاع في معرفة من يجوز الأخذ عنه وتلقي الأحكام منه.