ولنا أن نتساءل الآن لم هذا الافتتان – بني قومي – بكل فكرة غريبة، وكل وافد من الغرب، مهما بلغت تلك الفكرة من انحطاط وسفول؟! وكيف يرضى من أكرمه الله بنعمة الإسلام أن يلتفت عنه ليصوب وجهه تلقاء المشرق أو نحو المغرب طالباً الهدى والفلاح؟ وما بال بعض الدعاة أضحى – بعد إذ أكرمه الله- مجرد مذياع ضبط نفسه على موجة غربية، فهو يذيع فكرهم بلساننا، ويستدل لهم بشريعتنا، ويستبدل منهاجهم بمنهاجنا. إنني لا أتحدث عن الإفادة من أي فكرة صحت في نظر الحس أو العقل، مما يتعلق بجزئي من أمر الناس يصح دخوله تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم:(أنتم أعلم بأمر دنياكم)، وإنما حديثي هنا عند استبدال المناهج بالمناهج، ومزاحمة الهوية بالهوية، ورسم الحياة في ضوء مناهج وضعية، وبالله عليكم ماذا يبقى من الهوية المسلمة إن دعونا المسلمين إلى أن يأكلوا على طريقة الماكروبيوتيك، ويصححوا أجسادهم ويقووها على طريقة الريكي، والتشي كونغ، ويسكنوا ثائرة نفوسهم ويطمئنوها برياضات اليوجا وعلى الطريقة البوذية، ويوفقوا بين حاجات الجسد والروح وفق مذاهب (النيو أيج)، ويستجلبوا ما يريدون بواسطة (السر)!! وهكذا في سلسلة من المناهج المستوردة عن اليمين والشمال. ونحن إذا ابتلينا اليوم بالسر، فغداً سيأتينا ما بعد السر، وما ندري ما يخبأ لنا بعده من أسرار!!
إن الأمة اليوم بحاجة إلى أن تراجع دينها، وتلتزم بشريعتها، وتقيم حياتها على وفقها، وواجب عليها أن ترسخ في نفوس أبنائها تعظيم الكتاب والسنة، والاكتفاء بهما عن كل وافد من شرق أو غرب، فيما يتعلق بالمفاهيم المنهجية التي تضبط حياتهم وتصوراتهم، (ولا والله ما نظر عبد في كتاب الله تعالى، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم طالباً صلاح (الكفاية) بهما عما سواهما، إلا وفقه الله لصلاح (النهاية) وأعطاه فوق مأموله، وسدده فوق ما كان يطمع، وأيده بما لم يكن علم). وفرق كبير بين عقدة:(والإسلام جاء بمثله)، وعزة:(إسلامنا فيه الكفاية، وهو خير من هذا وأعظم)!
إن على الدعاة واجب الاحتساب على كتابات السوء هذه، وبيان حقيقتها للناس، والتحذير منها، والتذكير بالمنهج الإسلامي وتكامله، واشتماله على خير الدنيا والآخرة، وإشاعة ذلك ونشره، وتقريب ذلك أجمع للناس، بعد تأصيل هذه الأحكام الشرعية التأصيل الشرعي الصحيح، والتي تتخذ من الكتاب والسنة وتراث الأمة منطلقاً وقاعدة تؤسس عليها، وليحذروا أن يكونوا قنطرة يجوز الناس عليهم ليصلوا إلى الباطل، وجسراً يوطأ نحو الضلال، فيكونوا سبب إضلال بدل أن يكونوا أسباب هداية.
وإن أمتنا اليوم في غنى – والله – عن كل نظرية تدعوها إلى القعود, والتواكل, والاشتغال بالأماني والأحلام، فالأمر جد وليس بالهزل، فالعود للصدارة, وبناء المجد والحضارة، لا يكون إلا بالعمل والسعي وفق سنن الله – جل وعلا – في عمارة الأرض، وأشهد بالله أن (قانون الجذب) ليس منها، وأنه كذب وخرافة، (اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل, والهرم وعذاب القبر، اللهم آت نفسي تقواها, وزكها أنت خير من زكاها, أنت وليها ومولاها، اللهم، إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها)، (اللهم رب جبريل, وميكائيل, وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم)، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.