للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم عرضنا لكون الابتلاء طريق للتمكين لعباد الله تعالى من المؤمنين، ولأن الصابر المبتلى يمكن له في الأرض، وهي سنة من سنن الله تعالى في حياة الناس.

ثم عرضنا لنماذج ابتلاء المؤمنين في مختلف العصور:

فبدأنا بذكر ابتلاء أولي العزم من الرسل وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام وبذكر ما أصابهم من أقوامهم من الأذى والإعراض، ويكف قلب الله تعالى لهم الحالة حتى أصبحت المحن هذه منحاً جليلة ومنناً عظيمة في حياة أولئك الرسل عليهم السلام، وقد عرضنا لصور الابتلاء التي ألمت بهؤلاء الأنبياء عليهم السلام.

كما عرضنا معهم لابتلاء سيدنا يوسف عليه السلام، وكيف أن الله تعالى قد أخرجه من تلك المحن الشديدة والابتلاءات الصعبة صابرا كريما، ما لانت له قناة، ولا تغير له عليه السلام موقف.

ثم عرضنا للابتلاءات التي تعرض لها أذى قومه له وحربهم إياه، وتكذيبهم لدعوته، وقتلهم لأصحابه، وتأليبهم الكفار في الجزيرة عليه، إلى ابتلائه بأهل النفاق وما فعلوه معه صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فتأ في عضده، وإضعافا لقوته، وإعانة لأعدائه، وتثبيطا لأصحابه، وما تعرض له صلى الله عليه وسلم، من أذى اليهود، فقد حاكوا له المؤامرات، فحاولوا قتله، وأعانوا عليه أعدائه، ونكثوا معه العهود، وخانوا المواثيق، وما تركوا بابا من الأذى إلا أتوه منه، لكن الله تعالى أعانه عليهم، وسلطه عليهم، فأخرجهم من المدينة ثم من خيبر.

كما عرضنا لما أصابه من البلاء في نفسه من موت بناته وهن شابات، وموت أبنائه الذكور صغارا.

ثم عرضنا لما أصاب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، من الابتلاءات وما نزل بهم من الملمات، وما وقع بهم من البليات، فذكرنا نماذج لأولئك الصحب الكرام الذين ابتلوا، وما فعل بهم الكفار من صنوف الأذى وأنواع التعذيب، بلا ذنب ولا جريمة إلا كونهم يقولون: ربنا الله، فذكرنا ابتلاء أبي بكر وعمر وعبدالله بن مسعود، وأبي ذر الغفاري، وخباب بن الأرت، وابن فهيرة، وعثمان وطلحة بن عبيدالله، ومصعب بن عمير، وعياش بن أبي ربيعة، وسعيد بن زيد، وسعد بن عبادة رضي الله عنهم، وما أصاب النساء الصحابيات من الأذى فذكرنا ما أصاب أم سلمة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، وأسماء بنت أبي بكر، وأم عبيس وزنيرة وجارية بني مؤمل رضي الله عنهن جميعا، وما أصاب زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أصاب أم عمار بنت خياط، رضي الله عن الجميع.

ثم عرضنا لنماذج من ابتلاء العلماء الصادقين والدعاة العاملين، فذكرنا ابتلاءات: عبدالله بن عمر، وأنس بن مالك، وجابر بن عبدالله من الصحابة رضي الله عنهم، وابتلاءات: سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، ومجاهد بن جبر، وعبدالرحمن بن أبي ليلى، وأبي حنيفة، ومالك بن أنس، والشافعي، وسفيان الثوري، وأحمد بن حنبل، والبخاري، والنسائي، وابن حزم الظاهري، وعبد الغني المقدسي، وأبي شامة المقدسي، والعز بن عبدالسلام، وأحمد بن تيمية، وابن قيم الجوزية، ومحمد بن عبدالوهاب، والصنعاني، والشيخ السادات، والجبرتي، ومحمد عليش، ومحمد عبده، وسليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب رحمهم الله جميعا.

وهذه النماذج التي اخترت وذكرت في هذا الكتاب دالة على الأمور التالية:

١ - شمول المحنة لأهل الخير والفضل والصلاح والدين في مختلف العصور وشتى البقاع.

٢ - المحنة مستمرة في مختلف الأجيال كالأنبياء، والصحابة، والتابعين من بعدهم.

٣ - المحنة سنة من سنن الله تعالى في حياة البشر، ولا تتخلف هذه السنة في حياة الناس.

٤ - المحنة علامة صحة ودليل صواب، وليس العكس.

٥ - المحنة تقضي أن يعرف الإنسان قدر نفسه فيعمد إلى الإعداد الروحي لها ولا يتكل على جهد نفسه، وعلى ما يظنه عند نفسه من قوة وتحمل.

٦ - للمحنة فوائد عظيمة وآثار جليلة على النفس والجماعة لا يجوز للمرء بحال أن يغفل عنها أو أن ينساها.

٧ - المحنة تقتضي أن يعرف الإنسان أحكام الرخص الشرعية عند العلماء من جواز الكذب إذا تعلق بكلامه أذى لغيره، وجواز التورية والتعريض، ومن معرفة أحكام التيمم والوصية، والرضى بالقضاء، وحسن الإقبال على الله تعالى وغير ذلك من أحكام.

٨ - المحنة عامة شاملة تشمل الذكر والأنثى والوجيه وغيره، والعبد والسيد، والعربي، والأعجمي، والقديم والمعاصر، وهكذا.

٩ - لا يتمنى المؤمن البلاء ولا لقاء العدو لكن يستعين بالله تعالى إذا وقع به شيء من ذلك أو ألمت به ملمة من تلك الملمات.

هذا ما أردت أن أقوله في هذا الباب، ومن الله تعالى أرجو القبول والسداد وأن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم إنه نعم المولى ونعم النصير. والحمد لله رب العالمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>