للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥ - وأنه جائز شرعاً الاستفادة من تجارب الأمم الأخرى في تنظيم هذه الحقوق، كما استفاد عمر من النظم الإدارية لدى الفرس والروم، وأجمع الصحابة على مشروعية ما فعل؛ لأن ذلك يدخل تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنتم أعلم بأمور دنياكم) وكل ما فيه خير ومصلحة وعدل فهو من السياسة المشروعة، وكل ما فيه شر ومفسدة وظلم فهو من السياسة الممنوعة.

وقد عرف الفقه الإسلامي النظام الرئاسي، حيث الرئيس يتم اختياره من الأمة مباشرة كما في عصر الخلفاء الراشدين، ويكون مسؤولا أمامها، والنظام الوزاري كما كان الحال في العصر العباسي الثاني، حيث كان الخليفة رمزاً للأمة والذي يمارس السلطة وصلاحياتها هو الوزير أو السلطان.

فكل هذه الأنظمة جائزة شرعاً إذا رضيت بها الأمة وأقرتها ورأت فيها مصلحتها إذ الأمر لها.

كما لا يوجد ما يمنع من مشروعية التداول السلمي للسلطة بين أحزاب سياسية تطرح برامج انتخابية في إطار دستور الدولة ونظامها العام وهو الشريعة الإسلامية، كما اقترح ذلك الأنصار في المدينة بقولهم: (منا أمير ومنكم أمير) وقد أثبتت هذه الطريقة نجاحها وجدواها في أكثر دول العالم المعاصر، ولا يمكن تحريمها على تلك الشعوب لو أرادت الدخول في الإسلام، كما لا يمكن تحريمها على الشعوب الإسلامية التي تمارسها في العصر الحديث إذا كانت الشريعة هي مصدر التشريع.

٦ - وأن كل عمل جماعي منظم لتحقيق هذه المبادئ التي جاء بها الإسلام، وتأسيس الأحزاب السياسية والنقابات المهنية، والجمعيات الخيرية، ولجان حقوق الإنسان التي تعمل من أجل تحقيق المصالح العام للمجتمع في شئون السياسة والاقتصاد والاجتماع وتحقيق العدل والمساواة وحماية الحقوق والحريات، كل ذلك مشروع؛ إذ مثل هذا الاجتماع على جلب المصالح ودفع المفاسد داخل في قوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى}. وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

وإنما يحرم الاجتماع أو التحالف على إبطال حق أو إظهار منكر أو إثارة شر.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فمن تكفل بأمر طائفة فإنه يقال هو زعيم؛ فإن كان قد تكفل بخير كان محموداً على ذلك، وإن كان شراً كان مذموماً على ذلك.

وأما (رأس الحزب) فإنه رأس الطائفة التي تتحزب، أي تصير حزباً، فإن كانوا مجتمعين على ما أمر الله به ورسوله من غير زيادة ولا نقصان فهم مؤمنون، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم. وإن كانوا قد زادوا في ذلك ونقصوا مثل التعصب لمن دخل في حزبهم، سواء كان على الحق والباطل، فهذا من التفرق الذي ذمه الله تعالى ورسوله، فإن الله ورسوله أمرا بالجماعة والائتلاف، ونهيا عن التفرقة والاختلاف، وأمرا بالتعاون على البر والتقوى، ونهيا عن التعاون على الإثم والعدوان).

وإن أول خطوة على طريق الإصلاح هي بالشك كما دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (نحن أحق بالشك من إبراهيم).

الشك بمفاهيم المجتمع وتصوراته عن الدين ومجالاته، والشك بالثقافة الإسلامية المعاصرة التي هي نتاج ثقافة المجتمع، الذي تقوم الحكومات بتشكيلها وتوجيهها بوسائل الإعلام والتعليم، بما في ذلك المساجد والمدارس الدينية والكليات الشرعية، التي تم توظيفها في خدمة الحكومات على تفاوت توجهاتها من أقصى اليسار الاشتراكي إلى أقصى اليمين الرأسمالي التي سيطرت على العالم العربي منذ سقوط الخلافة العثمانية، وهيمنة الاستعمار الغربي على شؤونه. وإنه من دون الشك لن تصل الأمة إلى برد اليقين، ونعيم الحرية، بل ستظل ترسف في أغلال الوهم وجحيم العبودية، وليس أمامها للخروج من هذا التيه سوى الثورة أو الطوفان!

<<  <  ج: ص:  >  >>