١٩ – الأصل أن كل مسلم يلتزم أحكام الإسلام كاملا ودون استثناء إلا بسبب طارئ يقره الشرع. بيد أن الوضع الراهن في أغلب البلاد المسلمة أنها لا تبني سياستها على سيادة الشريعة فينتج القصور الواضح في كثير من مجالات الالتزام الإسلامي، أهمها المجال السياسي والقانوني والاقتصادي؛ فأصبح المطلوب من المسلمين أفرادا وجماعات – وفي مقدمتهم العلماء والزعماء – رفع مستوى التزامهم بتعاليم الإسلام في المجالات التي لا يتوقف تطبيقها على قوة القانون والسلطة السياسية، كذلك السعي المستمر بكل الوسائل الصالحة لتحقيق سيادة الشريعة في الدولة.
٢٠ – والمسلمون في البلاد غير المسلمة يلتزمون جميع أحكام الإسلام ديانة. والأحكام التي تتوقف قضاء على القانون والسلطة معلقة إلى حين حصولهم على السلطة أو قانون يسمح لهم بذلك، مع التأكيد على وجوب العمل المضني حفاظا على كيانهم الإسلامي وتعاملهم مع سائر المواطنين بها من أهل الديانات الأخرى على أساس وضعهم كمستأمنين – فيجب تلافي المساس بأمن غيرهم على أنفسهم وأهليهم وأموالهم وأعراضهم بأي وجه من الوجوه. ويتعاونون فيما بينهم على منع وقوع العدوان من غيرهم وحصول الإنصاف من أي ظلم وقع على أحدهم، دون اللجوء إلى القتال ما داموا مستأمنين قانونا ولم يكن العداء رسميا من سياسة الدولة، إلا ما يلزم الدفاع عن النفس، ويجوز تقديم ما يعود بالنفع عليهم وعلى غيرهم إلى الدولة، أو ما لا يضرهم بمخالفته الصارخة للشريعة على الأقل، سواء يتمثل في الالتزامات مالية أو أدبية، على أن يحتفظوا بعدم الرضا بطريق هؤلاء ومنهج حياتهم. وإذا فرض عليهم وضع يستوجب الموازنة بين الأضرار المتوقعة يجوز لهم اختيار أخف الضررين وأدنى الشرين، وإن كان في ذلك عدول عن الأحكام الأصلية إلى الأحكام الاستثنائية. وهذا أمر متوقع الحدوث للمسلمين المقيمين بين أهل بلد يتخذون – موقفا محاربا منهم. ولعدم عقد الأمان بين الطرفين لا يلتزم المسلمون تأمين أهل الحرب على أنفسهم وأموالهم. ومع هذا لا يحل لهم الاعتداء إلا إذا اعتادوا عليهم عملا بمبدأ المعاملة بالمثل {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}[سورة البقرة آية ١٩٤].
٢١ - من الثابت تاريخيا وواقعيا أن المسلمين أقدر الناس على التعايش السلمي والإيجابي مع المخالفين لهم في الدين ما داموا ملتزمين بإسلامهم الحنيف، ونظرا لطبيعة التبادل بين الأطراف المتعايشة يكون مستوى هذا التعايش متماشيا مع مدى تحقق سيادة الإسلام في المجتمع.
ب – المقترحات:
وفي ضوء النتائج المذكورة يقترح ما يلي:
أ – لما كان المسلمون اليوم في وضع لا يحسد له – بسب المؤامرات الخارجية على البلاد المسلمة، وتسيد النظام الأجنبي بها، وهيمنة غير المسلمين ونظامهم على المسلمين في البلاد غير المسلمة – كانت القوة الدافعة إلى التعايش السلمي والبنائي بين الأمم المختلفة الديانات ضعيفة، فينتج من ذلك فساد في العلاقات الإنسانية يتفاوت مداه من بلد لآخر {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}(وورد التأكيد على هذا الموضوع في سورة الحج آية ٤٠) فالسبيل الأساسي الوحيد للارتفاع بالبشرية من هذا الفساد هو استرداد قوة الإصلاح والسلام المتمثلة في الأمة المسلمة مكانتها الطبيعية بين الأمم.
٢ – وعودة هذه القوة السلمية إلى مكانتها الطبيعية لم ولن تكون بالصدفة ولا بالمنحة من غيرها. فليس هناك من سبيل إلا العمل الجماعي على رفع نوعيتها عن طريق بناء شخصية المسلمين الإسلامية المتكاملة الجوانب تكامل جوانب الإسلام نفسه وتبني مشروع التربية على شمولية الإسلام وشمولية الحياة على مستوى التصور والتطبيق والوسائل إلى هذا التطبيق. ولا ينبغي أن يترك وسط من أوساط الحياة الاجتماعية إلا وفيه سعي لإيجاد الاتجاه الإسلامي من أجل توجيهه إسلاميا بالتدرج.
٣ - ضرورة المزيد من الاهتمام بوضع المسلمين عامة والواقعين منهم في محنة الأغلبيات أو الأقليات على الخصوص، سواء من خلال البحوث العلمية أو المواقف السياسية أو المساعدات: مادية ومعنوية، من المسلمين في البلاد المسلمة تحسينا لوضعهم، ودفعا لمسيرتهم في بناء الأفراد إسلاميا من أجل تحقيق حياة إسلامية بإذن الله تعالى.
والله حسبنا ونعم الوكيل. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.