وجديرٌ بالذِّكر أن ما سُمِّى بالثورة العربية الكبرى أو الحركة العربية آنذاك، إنما هو تعبير مبالغٌ فيه، إذ لم تضم الثورة التي أشعلها الشريف حسين العرب قاطبةً أو حتى غالبيتهم، وإنما قامت بها بعض الرؤوس المدبرة للثورة وأعضاء بعض الجمعيات السرية كجمعية العربية الفتاة والعهد، ومن انضم من النصارى أو العرب الآخرين بدافع الارتزاق، وبإغراء المال الإنجليزي المدفوع للشريف حسين، ويدفعني إلى القول بعدم دقة تعبير الثورة العربية أو ثورة العرب أو النهضة العربية، أن كثيراً من القيادات العربية القائمة آنذاك لم تقتنع بجدوى طعن الدولة في فترة الحرب، بل إن البعض ساعد وشارك الدولة في صراعها ضد بريطانيا استجابةً لنداء الجهاد رغم تحالف الدولة مع قوةٍ نصرانية كبرى هي ألمانيا.
كما أعتقد أن هناك خطأٌ آخر في الإشارة بكلمات الترك والأتراك وتركيا، تعبيراً عن الدولة العثمانية آنذاك، مما هو موجودٌ في غالبية الكتب العربية تقليداً لما تكتبه المصادر والمراجع الأجنبية، وتشجيعاً من الكُتاب العرب النصارى الذين تصدّوا للكتابة عن القومية العربية أمثال جورج أنطونيوس وأضرابه، وأجد أن عبارة العثمانيين أدق من الناحية التاريخية والواقعية، فإن هذه العبارة ضلت متداولة تاريخياً إلى إعلان جمهورية تركيا الحديثة في ١٩٢٤م، وواقعياً باحتواء الدولة آنذاك على عناصر كثيرة لا يمثل العنصر التركي إلى جزءاً منها.
ومن خلال سير الرسالة وجدنا أن الدولة العثمانية وحليفتها ألمانيا قد وقفتا موقف الهجوم ضد بريطانيا في المنطقة في بداية الحرب، ووجدت بريطانيا نفسها في موقف الدفاع في مصر وعدن، وإن أمسكت بزمام الموقف في البحر الأحمر لتفوق أسطولها البحري، ثم ظهر التوازن بين القوتين حينما خسر العثمانيون أمام قناة السويس، ونجحوا في الاستيلاء على لحج القريبة من عدن ثم تحول الموقف في المرحلة الثانية في السنتين الأخيرتين من الحرب لصالح بريطانيا نتيجة لدور السياسة البريطانية التي عالجت موقفها الحربي في المنطقة على عدة محاور سياسية وعسكرية، وثبت أن التفوق السياسي رجح كفة الصراع في المنطقة لصالح بريطانيا بعد أن انتزعت الشريف حسين من جسد الدولة وساندت الإدريسي، وزادت من قبضتها في مصر والسودان وعدن، وفي المقابل كانت سياسة الدولة العثمانية تفتقر إلى عناصر التفوق السياسي الذي مارسته السياسة البريطانية بمساندة الأسطول، وقسمت البحر الأحمر على قطاعين: شمالي تحت إشراف السلطات البريطانية في مصر، وجنوبي تحت إشراف المقيم في عدن، إلى أن رأت في السنة الأخيرة من الحرب توحيد عمليات البحر الأحمر وجعلها في السلطات في مصر لتنسيق قيام العمليات العسكرية في جبهات القتال.
وإن أهم نتائج هذا الصراع خروج الدولة العثمانية من الجزيرة العربية والبحر الأحمر نهائياً بعد قرون عديدة تأرجحت فيها السيادة العثمانية في هذه المناطق بين القوة والضعف، تبعاً لقوة الدولة وضعفها، أما بريطانيا فقد مكنت لنفسها في مصر والسودان وعدن والبحر الأحمر عامةً، وأفسحت المجال أكثر من أي وقتٍ مضى لإيجاد بذور النِّزاعات المحليّة بين قوى المنطقة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى أله وأصحابه أجمعين.