على أنه كما سبق القول، كان الخلفاء العباسيون يتداركون الأمر قبل فوات الأوان فما إن بلغت المأمون أخبار الاضطرابات التي حدثت في العراق وفي سائر أنحاء الولايات، ومبايعة العباسيين في بغداد لإبراهيم بن المهدي بالخلافة حتى هب للمحافظة في خلافته، فغادر خراسان إلى بغداد وفي الطريق إليها، تخلص من وزيره المستحوذ عليه الفضل بن سهل، وكذلك من ولي عهده علي الرضا وعاد الخليفة المأمون إلى بغداد، وقد جمع أمور الدولة في يديه ومدبراً أموره بسياسة حكيمة تجلت في استرضاء الخراسانيين مصاهرته الحسن بن سهل، وفي استرضاء الشيعة، بتزويج ابنته إلى ابن علي الرضا، وبحسن معاملة أولاد علي الرضا والشيعة عامة.
أما الباب الرابع، فإنه يدور حول الأسرة الطاهرية التي تنتسب إلى القائد الخراساني طاهر بن الحسن، والذين قاد المعركة التي انتصرت فيها القوات الخراسانية على الأمين قواته وانتهت بمقتل الأمين وتولي المأمون الخلافة، ثم ما كان من إبعاده عن بغداد وعن خراسان من قبل بني سهل خوفا من قوته وقوة جنده الخراسانية، وإعادة المأمون له عقب تخلصه من الفضل بن سهل وما كان من قيامه هو وابنه في القضاء على ثورة نصر بن شبث العقيلي وعلى الاضطرابات التي قامت في مصر أثناء الفتنة بين الأمين والمأمون، وهو الأمر الذي أدى إلى مكافأة المأمون لطاهر بن الحسين بتوليته إياه ولاية خراسان في سنة ٢٠٥هـ.
وعلى الرغم من محاولة طاهر بن الحسين الاستقلال بخراسان وما كان من موته المفاجئ في سنة ٢٠٧هـ، بتدبير من الخليفة المأمون على أرجح الأقوال إلا أن الخليفة المأمون ومن بعده الخلفاء العباسيين ظلوا يعتمدون على الطاهريين في حكم خراسان، فأقروا أبناء طاهر بن الحسن على ولاية خراسان التي استمرت ولايتهم حتى سنة ٣٠٠هـ.
وبذلك اتضح لنا في هذه الدراسة الدور الذي قام به الخراسانيون في الدولة العباسية على امتداد قرنين من الزمان بدءا من قيام الدعوة العباسية في خراسان في بداية القرن الثاني الهجري وانتهاء بنهاية القرن الثالث الهجري، وهو آخر عهدهم بأمر شرطة بغداد. وإذا كنا في هذه الدراسة قد تجاوزنا الحد الزمني لموضوع البحث وهو نهاية العصر العباسي الأول فذلك لأن وحدة الموضوع اقتضت تتبع الدور السياسي للخراسانيين حتى سقوط إمارتهم في خراسان في يد الصفاريين، وحتى انتهاء عهدهم بأمر شرطة بغداد.