٤ - بروز دور المسجد الحرام العلمي فقد كان بمثابة جامعة مفتوحة يتوافد إليه طلاب العلم المسلمون من جميع أنحاء العالم الإسلامي، وفضل الكثير منهم المجاورة بمكة المكرمة لفترات قد تطول أو تقصر وذلك لتلقي العلم على أيدي علماء أفذاذ مثلوا المذاهب الإسلامية وبرعوا في فنون العلم المختلفة.
٥ - وجد بمكة المكرمة أعداداً هائلةً من العلماء الذين لم يكونوا من أبناء الحجاز وحدها حيث لعب العلماء المجاورون دوراً بارزاً في رواج الحركة العلمية بها. وقد ظهر ذلك جلياً من خلال ما سجل من أسمائهم وترجمة لحياتهم في كتب الرحلات التي ربما زادت عما ورد في كتب التراجم نفسها؛ بل إن ما كتبه الرحالة المغاربة والأندلسيون عن هؤلاء العلماء اعتمد عليه أصحاب كتب التراجم كالفاسي والسخاوي مثلاً في ترجمتهم لهؤلاء العلماء.
فلقد تهيأ لمكة المكرمة ما لم يتهيأ لغيرها من مدن العالم الإسلامي فقد هفت إليها أفئدة العلماء الذين ذاعت شهرتهم في علمٍ من العلوم التي اختصوا بها إلى جانب العدد الكبير من أبنائها العلماء والذين أدوا جميعاً دوراً بارزاً في رواج الحركة العلمية بها لتعدد حلقات الدرس في المسجد الحرام. فكان لكل مذهب من المذاهب الإسلامية زاوية ودرس خاص توفرت بها كتبهم العلمية وجلسوا للمناظرة والفتوى والشرح والإجازة.
٦ - مماثلة المدينة المنورة مكة المكرمة في مكانتها العلمية بعد القرن السادس الهجري وبلغت مكانةً عاليةً في القرن الثامن الهجري بعد أن خفَّت وطأة سيطرة الشيعة على مقاليد أمور الناحية العلمية بها بسبب إحكام سيطرة المماليك حكام مصر على الأمور بها وذلك بتعيين الأئمة والخطباء والمؤذنين والقضاة السنيين بها، حيث كان قبل ذلك أهل السنة مضطهدين لا يستطيعون البت في أمورهم؛ بل لقد وصل الأمر في بعض الفترات إلى تركهم المدينة المنورة ومصادرة أملاكهم.
الجانب الديني:
١ - لقد أدى ضعف الحالة الدينية في الحجاز إلى أن أصبحت مرتعاً خصباً لظهور الكثير من البدع والخرافات: منها ما هو منافٍ للعقيدة مثل العروة الوثقى بالكعبة المشرفة وخرزة فاطمة الزهراء بالمسجد النبوي الشريف وما ذك عن بيوت زوجات النبي صلى الله عليه وسلم بالمسجد أيضاً.
ونجد أن الداعي إلى مثل هذه البدع هو استجلاب الأموال من عوام الناس والحجيج، كما تفشت عادة التبرك بقبور الأولياء والصالحين وكل ما يمت بصلةٍ قريبةٍ كانت أو بعيدة بالرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم.
٢ - استفحال تفشي البدع والشائعات بين طبقات المجتمع الحجازي المختلفة الأمر الذي أدى إلى أن صدقها الرحالة المغاربة والأندلسيون وضمنوها رحلاتهم مما يعطينا تصوراً واضحاً لضعف الحالة الدينية.
٣ - وجود بعض البدع والشائعات إلى وقتنا الحاضر كانت موجودة منذ تلك الأيام: مثل زيادة ماء زمزم ليلة النصف من شعبان وعدم وقوع الحمام على الكعبة المشرفة.
٤ - إن أغلب ما وجد من أماكن نسبت إلى بعض الصحابة رضوان الله عليهم وبنيت عليها مساجد إنما ألحقت نسبتها إليهم بعد فترةٍ طويلةٍ من وفاتهم مما يؤكد عدم صحة نسبتها إليهم في كثيرٍ من الأماكن.
٥ - ضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بعض فترات البحث وما وجد من قائمين به كانوا يعملون به من تلقاء أنفسهم وربما عوقبوا على قيامهم بهذا الأمر، ويبدو أن الأمر تغير إذ أصبح هناك موظفون قائمون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقد وضح ذلك مما أورده ابن بطوطة.
٦ - ضعف سلطة القاضي في بعض الفترات وتغلب سطوة العامة من الناس والحجيج على بعض قراراته وخاصةً فيما يتعلق بيوم الوقوف بعرفة.
الجانب الاجتماعي: