للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعد أن وصلت الحركة الصهيونية إلى نتيجة غير مرجوة من هذه الاتصالات، قررت إبعاد عبد الحميد عن السلطة، حيث قدمت الدعم في كافة المجالات لجمعية الاتحاد والترقي، والأكثر من ذلك أن رجال الجمعية المذكورة كانوا يؤكدون أن الصهيونية لا تتعارض مع ولاء الرعايا اليهود للدولة العثمانية، كما صرحوا بمواصلة العمل على تحقيق أهداف الحركة الصهيونية في انسجام تام مع روح الدستور العثماني، ومع احترام القوانين والأنظمة المرعية في الدولة العثمانية.

وفي نهاية الأمر، استطاعت الصهيونية الإطاحة بحكم عبد الحميد، حيث قام رجال الاتحاد والترقي على توسيع باب الهجرة إلى فلسطين، ولا سيما أن العقل المدبر للاتحاد والترقي هم يهود الدونمة، حيث أنه بعد قيام انقلاب ٢٧ نيسان ١٩٠٩ وصل عدد اليهود إلى ثلاثة أضعافه بالمقارنة مع عام ١٨٨٢.

وقد أدت سياسة الاتحاد والترقي إلى نتيجتين هما:

إن المرونة التي اتبعها رجال الاتحاد والترقي تجاه اليهود والحركة الصهيونية أدت إلى زيادة الهجرة اليهودية إلى فلسطين، كما اتضح لنا من الاحصائيات التي قدمناها في هذا الصدد.

شجعت الصهيونية بعض الحركات القومية المتطرفة مثل الطورانية التي بدأت تظهر في الأفق في هذه الحقبة الزمنية، والتي قامت باتباع سياسة التتريك في الأراضي العربية، وكانت الغاية من ذلك فصم عرى العلاقة بين العرب والأتراك، كي تنفرد وحدها في تنفيذ مخططاتها في المنطقة العربية. كل ذلك قد أدى إلى بروز الحركة القومية العربية، وبالتالي الانفصال عن جسم الدولة العثمانية.

نستنتج من كل ذلك، إن جل الدراسات التي ظهرت في العالمين العربي والإسلامي بعد الحرب العالمية الأولى، لم تكن لتميز بين حقيقتين: الأولى تبدأ من قيام الدولة العثمانية إلى قيام انقلاب ٢٧ نيسان ١٩٠٩، والثانية تبدأ من ٢٧ نيسان ١٩٠٩ إلى سقوط الدولة العثمانية. تتميز الحقبة الأولى بين العرب والأتراك بمتانة العلاقات بينهما، حيث أن العثمانيين تأثروا بالثقافة العربية، أكثر من تأثر العرب بالأتراك، وقد جاء هذا التأثر عن طريق الإسلام.

أما فيما يتعلق بالحقبة الثانية، فإنها أدت إلى التوتر في العلاقات العربية التركية، لأن قادة الاتحاد والترقي اتبعوا سياسة التتريك مع العرب، والتعاطف مع الحركة الصهيونية، وكان هذا كفيلاً بإبعاد الأتراك عن العرب، وبالتالي دفع العرب إلى المطالبة باستقلالهم عن الدولة العثمانية.

<<  <  ج: ص:  >  >>