وجد في المدينتين المقدستين أعداد هائلة من العلماء الذين لم يكونوا من أبناء الحجاز وحدها، وهؤلاء أدوا عملاً بارزاً في رواج الحركة العلمية فيهما. وهذا ظهر جلياً من خلال ما سجله الرحالة المغاربة من أسمائهم وتراجمهم التي زادت على ما ورد في كتب التراجم حول الشخصيات التي ذكرها حالة المغاربة نفسها.
كما لُحظ أن هؤلاء العلماء منهم من كان يفد سنوياً إلى الحجاز وخاصة علماء اليمن، ومنهم من كان يفد بعد سنوات.
وهكذا نجد أن المدينتين المقدستين قد تهيأ لهما ما لم يتهيأ لغيرهما من مدن العالم الإسلامي من توافد العلماء الذين ذاع صيتهم وشهرتهم العلمية عليهما، وكانوا يعقدون حلقات الدرس في المسجد المكي والمدني اللذين كان نظام التعليم فيهما يسير وفق نظم وقوانين محددة من حيث تخصيص أيام معينة للدراسة وأخرى للإجازات، كما حددت العلوم التي تدرس والأماكن التي تعقد فيها حلقات تلك الدروس، إذ كان لكل عالم وشيخ زاوية أو ركن خاص به وخزانة لكتبه العلمية الموقوفة على طلبته، فيدرسهم ويعطيهم الإجازات.
تولى بعض العلماء مقاليد بعض الوظائف إلى جانب قيامهم بالتدريس، فمن هذه الوظائف القضاء والخطابة والإمامة والفتوى في المدينتين المقدستين.
ظهور مكانة الطائف العلمية لإقامة بعض العلماء فيها في ذلك الوقت وعقدهم حلقات العلم بمسجد ابن عباس رضي الله عنهما.
جلوس بعض الرحالة المغاربة للتدريس في المسجدين المكي والمدني والتفاف طلبة العلم حولهم لغزارة علمهم وسعة اطلاعهم، فعلماء المغرب لم يكونوا أقل مكانة علمية من نظائرهم في المشرق، فقد أشارت الرحلات إلى كثير من المواقف التي يبدي فيها الرحالة رأيه في قضايا مثارة فيلاقي الإعجاب والتقدير. وبهذا لم تكن رحلة هؤلاء الرحالة المغاربة دائماً للتلمذة والدرس والطلب، بل كانت لأهداف أخرى كزيارة المراكز الثقافية والحصول على الرواية والسند العالي والحصول على الكتب ولقاء العلماء ومجالستهم.
كانت قوافل الحجيج في ذلك الوقت بمثابة مدارس منتقلة من حيث انعقاد حلقات الدروس أو ترك الكتب في بعض المدن وأخذ غيرها.
لم تكن حلقات العلم تعقد باللغة العربية وحدها، بل كانت هناك لغات أخرى كالتركية والفارسية مثلاً.
الجانب الديني:
أظهر هذا الكتاب ضعف الحالة الدينية في الحجاز بسبب شيوع التصوف على المستوى الشعبي والرسمي، فأصبح مرتعاً خصباً لظهور كثير من البدع والخرافات التي منها ظهور أنوار الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الوصول للمدينة المنورة، وأخرى تتعلق بالصحابة رضوان الله عليهم، ومنها ما يتعلق بالأماكن المأثورة.
كما وضح هذا الكتاب تفشي عادة التبرك بقبور الأولياء والصالحين وبناء القباب والأضرحة عليها والاجتهاد لزيارتها وتقديم النذور للقائمين عليها.
وأوضح أيضاً استفحال البدع والخرافات بين طبقات المجتمع الحجازي دون استثناء، الأمر الذي أدى إلى أن صدق الرحالة المغاربة بعضها فكانوا مهيئين لقبولها فضمنوها كتاباتهم، وهناك بدع لم يصدقوها فنبهوا إليها وأشاروا إلى بطلانها. وهذا يعطينا تصوراً واضحاً عن ضعف الحالة الدينية في ذلك العصر.
وأثبت هذا الكتاب أيضاً أن أغلب ما وجد من أماكن نسبت للرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، إنما ألحقت نسبتها إليهم بعد أزمنة طويلة وذلك يؤكد عدم صحة هذه النسبة.
ورأينا ضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن وجد في بعض الأوقات من يقوم بذلك، ولكن ينتهي الأمر بمجرد وفاته أو انتهاء مدة عمله.
الجانب الاجتماعي: