بل إن هناك ما يصل إلى حد الإجماع بين الأطراف الفاعلة في كلٍ من بلاد الشام والعراق، وحتى في داخل الأسرة الأموية، على الرضا التام بترشيح يزيد لأن يكون ولياً للعهد.
ثانياً: معارضة الحسين رضي الله عنه:
لقد صورت بعض الروايات -وبالأخص ذات الميول الشيعية- معارضة الحسين رضي الله عنه ليزيد بن معاوية ومن ثم خروجه إلى العراق، على أنها نتاج طبيعي للجور والظلم الذي تعرض له الحسين رضي الله عنه على يد يزيد بن معاوية.
ولكن الدراسة أظهرت زيف تلك المزاعم، فالحسين رضي الله عنه، خرج من المدينة إلى مكة حينما وردت الأخبار من بلاد الشام بوفاة معاوية رضي الله عنه، ومكث في مكة قرابة الأربعة أشهر وهو معارضٌ ليزيد ورافضاً البيعة له بالخلافة، وذلك في الوقت الذي تتوافد عليه رسائل أهل الكوفة وتستحثه على الخروج إليهم، وطوال إقامته في مكة لم يتعرض له يزيد أو أحدٌ من أمراء مكة والمدينة بأي أذى.
وبالتالي كان خروجه إلى الكوفة نتيجةً لتلك العهود والأماني التي جاءته من الكوفة، والتي تظهر له الوضع هناك بأنه مهيئاً تماماً لقدومه.
وحينما خرج الحسين رضي الله عنه إلى الكوفة، لم يوافقه أحدٌ من الصحابة أو أقاربه على خروجه، الأمر الذي يظهر معرفة أولئك الناصحين للحسين بخطورة الوضع الذي يقدم عليه، بل إن البعض من الصحابة الذين نصحوه ودَّعوه الوداع الأخير.
ومن الأمور التي توصَّل لها البحث: هو أن يزيد بن معاوية لا يتحمل شيئاً من مسؤولية قتل الحسين رضي الله عنه.
وقد أثبتت الدراسة حزن يزيد وبكائه حينما ورده الخبر بمقتل الحسين، وعندما قدم عليه في دمشق آل الحسين رضي الله عنه من نساء وصبيان، بالغ في احترامهم وتقديرهم وذلك حتى يخفف عليهم ألم المصيبة، ثم بعد إكرامهم، أرسلهم إلى المدينة معززين مكرمين، وطلب من علي بن الحسين أن يكتب له في أي شيء يريده.
وقد أثبتت الدراسة في مقابل ذلك كذب تلك الروايات التي تظهر أن أبناء الحسين حملوه إلى دمشق على أنهم سبايا، وعُرض نساؤه وأبناؤه أمام أهل الشام، وأظهر بعض الناس الرغبة في أخذ بعض بنات الحسين، إلى ما سوى ذلك من الافتراء والبهتان.
كما توصلت الدراسة إلى أن رأس الحسين -رضي الله عنه- أرسل به يزيد إلى والي المدينة وقبل عند أمه فاطمة -رضي الله عنها- بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي المقابل أثبتت الدراسة أن المشاهد المقامة في أماكن كثيرةٍ من البلدان، والتي كل منها يدعي أصحابه أن رأس الحسين مقبورٌ فيها، لا أساس لها من الصحة، إضافةً إلى ما يجري عند تلك المشاهد من أنواع الشرك والضلالات التي هي مخالفةٌ لأصل الإسلام وروحه.
ثالثاً: معارضة أهل المدينة ومعركة الحرة:
لقد توصلت الدراسة إلى أن العلاقة بين حركة أهل المدينة ومعارضة ابن الزبير علاقة كبيرة، بل إن التشابك بين المعارضتين يبلغ الحد الذي يجعل أحد شهود العيان في تلك الفترة يقول: أن أهل المدينة خرجوا على يزيد مع ابن الزبير (١).
ولعل اتهام يزيد بشرب الخمر وتناقل هذا الاتهام بشكلٍ كبيرٍ بين أفراد المدينيين، ومن ثم إظهار هذا الاتهام على أنه الدافع الرئيس لخروجهم على يزيد، ما هو إلا غطاء لرفض خلافة يزيد والتأييد الواضح لابن الزبير رضي الله عنه.
ولعل الرفض لا يشمل شخص يزيد فقط دون غيره من أفراد البيت الأموي، بل إن ذلك الرفض يتعدى يزيد ليشمل كل أفراد البيت الأموي، ويتضح هذا الأمر في موقف أهل المدينة من الأمويين الساكنين في المدينة، حينما أخرجوهم بالقوة وتحت تهديد السلاح.
كما لم يثبت من خلال استعراضنا للروايات، وإخضاعها للنقد والتحليل، أي دليلٍ صريحٍ وواضحٍ في أن يزيد يتعاطى شرب الخمر.
(١) وهو قول نافع مولى ابن عمر.