وأظهرتُ في الفصل الثاني، ومن خلال كتابات أنصار الدعوة الوهابية، صحة تقسيم التوحيد إلى توحيدين: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وأنه تقسيم تقره الأدلة، وتثبته نصوص الوحيين، وأقوال السلف الصالح، وبيّنتُ بطلان اعتراض الخصوم على ذلك التقسيم، كما اتضح أيضاً زيغ الخصوم حين اقتصروا على تقرير توحيد الربوبية، واكتفوا به.
وفي الفصل الثالث تحدثتُ عن اعتراض المناوئين على هذه الدعوة في إنكارهم دعاء الموتى، وظهر جليّاً -عبر أقوال أئمة الدعوة- صحة ما ذهب إليه الشيخ ومن تبعه في إنكار دعاء الموتى، وأبطلت على ضوء تلك النقول حجج الخصوم واستدلالاتهم في هذا الاعتراض.
وفي نهاية هذه الخاتمة أحب أن أقترح بعضاً من الحلول والأساليب لمن يهمه نشر مذهب السلف الصالح عموماً، وبصورة صادقة، والتي يمكن أن تحقق في نفس الوقت تصوراً صحيحاً لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فمن هذه الحلول:
(١) الاهتمام بنشر تراث السلف الصالح، وفي سائر بلاد المسلمين، وعلى مختلف المستويات الثقافية، واختيار الرسائل والمؤلفات التي توضح عقيدة أهل السنة والجماعة، وتتصف بالوضوح والإيجاز وملائمة العصر، وأن يتضح ويظهر لعامة المسلمين -من خلال تلك الرسائل- (عالمية) معتقد أهل السنة والجماعة، فتنشر رسائل موجزة لبعض علماء السلف الصالح ومن مختلف المذاهب الأربعة، وتنشر رسائل موجزة أخرى لبعض علماء السلف الصالح من مختلف أقطار المسلمين، ومختلف الأزمان.
فتطبع -على سبيل المثال- رسالة (كشف الشبهات) للشيخ محمد بن عبد الوهاب النجدي، ومعها رسالة (تطهير الاعتقاد) للصنعاني، أو رسالة (شرح الصدور في تحريم رفع القبور) للشوكاني، أو رسالة (قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر) لمحمد صديق خان.
(٢) نشر مؤلفات الشيخ الإمام التي توضح معتقده مثل (كتاب التوحيد) و (الأصول الثلاثة) وغيرهما، وكذلك نشر الرسائل الجامعة لأئمة الدعوة في نجد، والتي توضح معتقدهم ومنهجهم، كما فعل الشيخ سليمان بن سحمان -رحمه الله- حين جمع بعض الرسائل الهامة في كتاب سماه (الهدية السنية)، وهو خمس رسائل لكبار أئمة نجد وعلمائها. وترجمة هذا التراث النفيس إلى أشهر اللغات العالمية.
(٣) إبراز الجوانب الدعوية عند الشيخ الإمام، وكذا أئمة الدعوة من بعده، وبيان ما كان عليه الشيخ وأتباعه من فقه للدعوة، وإدراك لأساليبها المناسبة.
(٤) التحذير من كتب الخصوم، وتتبعها بالرد والمناقشة، وتصحيح الأخطاء الواقعة في بعض المراجع العامة، مثل (دوائر المعارف) عموماً، و (حاشية الصاوي على الجلالين) و (حاشية ابن عابدين)، وبعض المصادر التاريخية.
(٥) الاهتمام بتدريس كتب ورسائل الشيخ في التعليم الجامعي، وحسن عرض ترجمة الشيخ الإمام في المناهج الدراسية، وإبراز آثاره العلمية والعملية على هذه البلاد، وكذلك إظهار فضله وعظيم نفعه على بلاد المسلمين عموماً، والعناية أيضاً بحسن عرض أبواب (كتاب التوحيد) - في المناهج الدراسية للمرحلة المتوسطة-، وإعادة صياغة ذلك المنهج بأسلوب جذاب يفهمه الناشئة ويدركونه، مع مراعاة ربط مادة الكتاب بالواقع الذي يعيشه الطالب.
(٦) فتح باب الحوار والمناقشة مع المتعلّمين من الوافدين لهذه البلاد، ودعوتهم إلى التجرد والإنصاف، واتباع الحق أينما دار، وتحرير أفكارهم من تبعيّة حملات التشويه والتضليل.
وهذه الاقتراحات الموجزة ما هي إلا غيض من فيض، وأسأل الله عزَّ وجل أن يمدنا بالعون لتحقيقها، وأن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
..........................