ويلاحظ فيما يتعلق بمنهج الإسلام في جباية الأموال أنه يلتزم بروابط محددة، فكلما كان الجهد المبذول كبيرا، كلما قل التعب أو القدر الذي يجبى منه. ويلاحظ أن هذا النصيب يتفاوت من ٢.٥% إلى ١٠% فالفائض الذي تحصل عليه الدولة بدون قتال هو من نصيب بيت المال، كما أن الغنيمة وهي مال يحصل عليه المجتمع بقتال يكون نصيب بيت المال ٢٠% والباقي للمحاربين.
ويمكن أن ينقص هذا النصيب أو القدر، إلى أن يصل إلى ١٠% مثلا، كما في زكاة الزروع والثمار التي تسقى بماء السماء عادة، ويكون نصيب بيت المال منها ١٠%.
ولهذا يقول ابن تيمية عند حديثه عن الموارد، لابد أن يكون الحاكم منضبطا بضابط الإسلام، حتى لا تحدث فوضى في استغلال المال العام، كما يجب على الحاكم أن يجبي بالمقادير التي حددها الإسلام دون زيادة أو نقص فيها، لأن ذلك يؤدي إلى إثقال كاهل الأفراد، فيؤدي ذلك إلى نفور الناس منه. وهذه الموارد على نوعين:
أ- ما يمكن الحصول عليه بسهولة، وفي هذا النوع يرتفع نصيب بيت المال منها كالفيء.
ب- ما كان الحصول عليه صعبا وشاقا، وفيه يقل نصيب بيت المال ويرتفع نصيب الأفراد، كالغنيمة بعد الحرب.
وعموما فابن تيمية يشير إلى أن الحاكم يجب أن يكون منطقيا ونظاميا من الناحيتين، ناحية الجباية وناحية الصرف.
٦ - فيما يتعلق بالحسبة، فقد تكلم ابن تيمية عن مدى تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي، وذكر بعض الحالات التي فيها تتدخل الدولة، مثلا: التسعير-منع الاحتكار-تحديد الأجور-توفير الاحتياجات.
ومن ذلك يتضح عجز الأنظمة الوضعية الحديثة في تطبيق هذا المبدأ [مبدأ التدخل]، بينما نجد في الجانب الآخر عظمة وقدرة الفكر الإسلامي والمنهج الإسلامي متمثلا في منهج ابن تيمية، في تفهم هذا المبدأ ووضعه في المكان المناسب.
٧ - مبدأ اختيار الرجل المناسب في المكان المناسب، عرفه ابن تيمية واكتشفه ودعا إليه، قبل الفكر الإداري الحديث، وذلك عند حديثه عن أسس اختيار الولاة.
أ- تولية الأصلح ب-الأمثل فالأمثل
ج- أسس الصلاحية د- معرفة الأصلح
٨ - استمد ابن تيمية –رحمه الله- واستند في مناهجه التي اتبعها على الكتاب والسنة، وذلك واضح عند تطرق ابن تيمية لموضوع أداء الأمانة في الولايات وأداء الأمانة في الأموال، وعند حديثه عن الحسبة وتدخل الدولة في النشاط الاقتصادي، فنراه حينما يعرف أمرا من الأمور، أو يدعم أقواله وتعريفاته وأحكامه وآراءه ومناهجه واستنتاجاته بالدليل من الكتاب والسنة أو الإجماع أو كلها مجتمعة.
٩ - سبق شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله- المفكرين الإسلاميين في وضع أسس ومرتكزات لعلم الإدارة، ولهذا يرى الأستاذ: عبدالرءوف الجلالي أحقية ابن تيمية في أبوة الإدارة العلمية، وذلك لما قدمه من مبادئ وأسس ومناهج وآراء وسياسات وإصلاحات، من خلال كتبه:
أ- السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية.
ب- الحسبة في الإسلام.
ج- منهاج السنة النبوية.
١٠ - منهج شيخ الإسلام ابن تيمية في الإصلاح الإداري هو المنهج الإسلامي، ولكن ابن تيمية-رحمه الله- هو ممن اكتشف هذا المنهج ووضحه ووضعه في إطار سبق به العلماء والمفكرين السابقين عن وضع منهج أو إطار أو تنظيم يناظره أو يماثله. وقد استقى أسسه واستنتاجاته وآراءه من الوقائع التي حدثت في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، وفي عهد الخلفاء الراشدين من بعده، وقبل ذلك كله كان تدعيمه لأقواله وآرائه ومناهجه مستندة إلى كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام.
وبهذا نأتي إلى ختام بحثنا المتواضع، سائلا الله عز وجل القبول والمثوبة والأجر، ثم متمنيا أن يحوز على قبول ورضا القارئ الكريم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.