للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٦ - من التحقق في معنى الميثاق الذي أخذه الله على ذرية آدم تبين أن الله أخرج ذرية آدم من ظهره وأخذ الميثاق عليهم، مشهداً بعضهم على بعض، ومشهداً الإنسان على نفسه، أي أخذ بإقراره، فقال لهم سبحانه وتعالى: (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟) فأجابوا: (بَلَى) وهذا قول جمهور العلماء والمفسرين كما سبق بيانه ولا يلتفت إلى قول مخالفيهم كالمعتزلة ونحوهم.

واتضح لنا أنَّ هذا الميثاق ليس كافياً لإقامة الحجة على الخلق، بل إنَّ الحجة تقوم بإرسال الرسل وإنزال الكتب: (لأَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) (النساء: ١٦٥) ... (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء: ١٥).

ولا تناقض بين الفطرة والميثاق، فلكلٍ منهما دلالته ومعناه.

ويشعر المسلم بوجوب الوفاء بهذا الميثاق الذي أخذه الله عليه في صلب أبيه آدم، حيث تأكد ذلك وتحقق برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فلم يعد هناك عذر لمعتذر، أو حجة لجاحد أو غادر.

٧ - أخذ الله العهد والميثاق على النبيين، والذي نفوا ذلك وقالوا إن الميثاق أخذ على أمم النبيين لا على أنفسهم، أوَّلوا الآية وجانبوا الصواب.

وهذا الميثاق هو أن يؤمن بعضهم ببعض، ويصدق بعضهم بعضاً، وينصره، ويأخذوا ذلك على أممهم، وقد أقررهم الله بذلك فأقروا به، وأعطوا العهد عليه، وأشهدهم على ذلك فشهدوا.

وهذا الميثاق أخص مما أخذ عليهم في ظهر آدم مع الذرية.

٨ - وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم تبين أخذ العهد على بني إسرائيل، بعضها مجمل وبعضها مفصل، حيث أخذ الله عليهم العهد بأن يؤمنوا بما في التوراة جملة، ويعملوا بما فيها تفصيلاً، كما أخذ عليهم الميثاق بأن يؤمنوا بالرسول صلى الله عليه وسلم إذا بعث، وأن يتبعوه، وأن يبينوا أمره للناس.

هذا هو الميثاق العام، ثم أخذت عدة مواثيق خاصة تؤكد هذا الميثاق وتبينه، وبعضها يخص قوماً من بني إسرائيل دون آخرين.

ويقف المسلم مندهشاً حائراً أمام هذا الجنس من البشر، قوم كذبوا الرسل وقتلوا الأنبياء، لا عهد لهم ولا ميثاق، آذوا موسى وهو منقذهم من فرعون وقومه، وأعطاهم الله أعظم الآيات فكفروا، ووهبهم أعظم النعم فجحدوا، وتوارثوا الغدر والمكر والخيانة منذ موسى _عليه السلام_ إلى يومنا الحاضر، وآيات العهد والميثاق لنا فيها أعظم العبر والدروس، إلى يومنا الحاضر، حيث تكشف لنا عن طوية هؤلاء وسوء أخلاقهم، وأنهم لا أمان لهم ولا وفاء.

ومن العجب أننا نجد من بني قومنا وممن يتكلمون بلغتنا وينتسبون إلى ديننا، نجد من يسعى جادّاً إلى إقامة المعاهدات مع بني إسرائيل، وكتابة المواثيق معهم، وكأنه لا يقرأ كتاب الله، ولم يعرف التاريخ، ولا يتعظ بتجارب البشر، إنني وأنا أسمع وأرى هذا السباق المحموم بين بني يعرب للتقرب من يهود وإقامة العلاقات معهم، ظنّاً أنهم سيأمنون شرَّهم، ويكونون في وقاية من غدرهم، أتساءل هل هؤلاء سيكونون أكرم عند اليهود من موسى -عليه السلام-؟ لا، وألف كلاَّ، موسى نبيهم ورسولهم ومنقذهم ومن بني جلدتهم، ولم يدخر وسعاً لهدايتهم وجلب الخير لهم ومع ذلك فعلوا به الأفاعيل، وأنبياؤهم من بعد موسى ماذا فعلوا بهم، فريقاً كذَّبوا به وفريقاً يقتلون، إذا كان هذا شأنهم مع أنبيائهم كيف سيفعلون بأعدائهم؟ ..

وسنن الله لا تختلف، ولكن أين المؤمنون وأين المعتبرون (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ)، وهذا درس عظيم من دروس العهد والميثاق، يجدر بنا أن نفيد منه أيَّما إفادة قبل فوات الأوان، وحلول الذل والهوان.

<<  <  ج: ص:  >  >>