٣٧ - استخدم سيد في الظلال ثقافته الشاملة المتعددة الجوانب، والمختلفة الموضوعات كوسيلة للتفسير، واستفاد منها في إبراز بعض الحقائق وإجراء بعض التحليلات كما فعل مع تحليلاته الصائبة لنفسيات بعض النماذج الإنسانية في القرآن، وبيان البواعث لها على تصرفاتها.
٣٨ - تمتع سيد بروحانية صافية، وشفافية رائعة، وهو يكتب الظلال، ويستطيع القارئ أن يلمس ذلك بسهولة، ويصح أن يعتبر الظلال معرضا لتسبيح الله وعبادته وشكره والإنابة إليه.
٣٩ - يعتبر سيد مجددا في الظلال في الكثير من الموضوعات، ومجتهدا في بعض القضايا والمسائل وبخاصة قضايا الدعوة والحركة، وتركيزه على مسائل التربية والعمل، ووقوفه المطول أمام معاني العقيدة وأثرها، وحديثه المفصل المكرر عن الحاكمية، والجاهلية، والعبادة والعبودية، والألوهية والربوبية، وتأكيده المتكرر على الربط بين الألوهية والحاكمية وعرضه الإسلام بشموله وتناسقه وتكامله وانسجامه ودعوته إلى أخذه كله أو تركه وحديثه عن المعرفة المنشأة للعمل وعن المنهج الإسلامي في معالجة وبحث المشكلات والقضايا الواقعية، ودعوته إلى فقه الحركة وتأجيل البحث في فقه الأوراق وغير ذلك.
٤٠ - ظهر لنا أن سيد كان له منهج خاص في التفسير، وهو المنهج الحركي في التفسير والذي يعتبر به مؤسسا لمدرسة خاصة في التفسير هي مدرسة التفسير الحركي، وقد تناول سيد القضايا والمسائل من الزاوية التي تهم الدعاة العاملين وهي الزاوية الدعوية الحركية. لقد استخدم سيد مفتاحا سحريا عجيبا في تفسير القرآن، وهو " المفتاح الحركي" الذي يبدو أن الله سبحانه وتعالى قد ادخره له، فتناوله سيد وفتح به كنوز القرآن الحركية المذخورة فيه، وعرضها على الناس، واستقبلها الدعاة بترحيب وتفاعل وإعجاب وقد وضع سيد هذا المفتاح الحركي بين يدي القارئ الذي يرغب في الوقوف على مزيد من كنوز القرآن، ودله على طريقة استخدامه بدقة ومنهجية.
هذه – فيما يبدو لنا – أهم المزايا التي توفرت للظلال ولصاحبه، وهناك غيرها مما لم نذكره، وبهذا يظهر لنا أن سيد كان موفقا من الله سبحانه في تأليف الظلال، وكان موفقا في السير فيه وكتابته ويظهر لنا أن الظلال كتاب في التفسير لا يغني عنه سواه من التفاسير القديمة والحديثة على السواء وأنه يمثل نقلة جديدة في التفسير، ويعتبر لونا فريدا أساسيا لا غنى عنه في التفسير وأنه يعتبر تأسيسا لمدرسة جديدة هي مدرسة التفسير الحركي، وقد علم الله صدق نية سيد فكتب لظلاله الانتشار في الأقطار، ويكفي سيد منزلة أنه عاش ظلاله وكتبه من الميدان، ثم مات في سبيل الله بعد أن غذى ظلاله بدمائه، فدبت فيه الحياة.
وأختم هذه المزايا بقول سيد قطب مبينا سر " قوة الكلمة" التي تجعل لها التأثير في الحياة وهو كلام ينطبق على الظلال تماما، مما يعتبر مزية فريدة من مزاياه. " إن السر العجيب ليس في بريق الكلمات وموسيقى العبارات، إنما هو كامن في قوة الإيمان بمدلول الكلمات وما وراء المدلولات. إنه في ذلك التصميم الحاسم على تحويل الكلمة المكتوبة إلى حركة حية، والمعنى المفهوم إلى واقع ملموس. .. إنه ليست كل كلمة تبلغ إلى قلوب الآخرين فتحركها وتجمعها وتدفعها إنها الكلمات التي تقطر دماء، لأنها تقتات قلب إنسان حي، كل كلمة عاشت قد اقتاتت قلب إنسان .. إن أصحاب الأقلام يستطيعون أن يصنعوا شيئا كثيرا، ولكن بشرط واحد: أن يموتوا هم لتعيش أفكارهم، أن يطعموا أفكارهم من لحومهم ودمائهم. أن يقولوا ما يعتقدون أنه حق ويقدموا دماءهم فدى لكلمة الحق. إن أفكارنا وكلماتنا تظل جثثا هامدة، حتى إذا متنا في سبيلها أو غذيناها بالدماء انتفضت حية، وعاشت بين الأحياء.