- الثامنة والعشرون: أن ضابط ما يعفى عنه من الجهل هو ما يشق الاحتراز منه عادة، بحيث لا يمكن دفعه، ولهذا الجهل صور أو أسباب، أهمها:
- حداثة العهد بالإسلام.
- النشوء ببادية بعيدة لم ينتشر فيها العلم ولا أسبابه.
- البقاء في دار الحرب لأسباب مشروعة.
- النشور ببيئة يغلب عليها البدعة وعلم الضلالة.
- ما يتعلق بالأحكام التي لا يعلمها إلا أهل العلم.
- التاسعة والعشرون: أن الجهل إذا توفرت أسبابه الشرعية، وخلا عن التفريط، ثم أوقع في الخطأ من غير إرادة مشاقة الله ورسوله، فإنه يكون عذرا، ولذلك أمكن القول – في مثل هذه الحالة – بتلازم الجهل والعذر، خلافاً لمسلك أهل البدع في القول بتلازم الخطأ والإثم.
- الثلاثون: أن التأويل الذي يعذر صاحبه هو الذي يصدر عن أهل الاجتهاد من ذوي الفضل والصلاح، الذين عندهم حرص على اتباع الشريعة.
أما التأويل الذي لا يعذر صاحبه، فهو الذي يتضمن في حقيقته التكذيب لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، كما هو حال الفلاسفة والباطنية ومن هم على شاكلتهم.
- الحادية والثلاثون: أن ضابط العذر بالشبهة، هو ما لا يتعلق منها بأصل الدين الذي هو عبادة الله وحده، والتحاكم إلى شرعه، كما هو مدلول الشهادتين.
- الثانية والثلاثون: أن كل مسألة من مسائل الاعتقاد أو العمل، إذا كانت جليلة تعتبر من الأصول؛ وأن كل مسألة سواء أكانت عقدية أم عملية، إذا كانت دقيقة فهي من الفروع.
- الثالثة والثلاثون: أن توحيد الربوبية من بدهيات العقائد التي أقر بها جميع الناس، حتى المشركون، وأن مناط الحجة فيه هو الفطرة وأدلة الخلق المنصوبة؛ لذلك لا يمكن عذر أحد يدعي جهل الخالق، أو ينسب له الولد والصاحبة ...
- الرابعة والثلاثون: أن أبرز الصور التي تنافي توحيد الألوهية: عدم إفراد الله تعالى بالعبادة، والثانية الاعتراض والكراهية لما أنزل الله بعضه أو كله.
- الخامسة والثلاثون: أن مناط قيام الحجة بالنسبة لتوحيد الألوهية، هو الشهادتان والدخول في الإسلام.
- السادسة والثلاثون: أن محل العذر بالجهل في توحيد الألوهية، هو ما يتعلق بتفاصيل هذا التوحيد لا بأصله.
- السابعة والثلاثون: أن الجهل ببعض أسماء الله وصفاته قد يكون محلاً للعذر، فجمهور علماء المسلمين على أنه قد يغلط في بعض الصفات قوم من المسلمين، فلا يكفرون بذلك.
- الثامنة والثلاثون: أن مناط تكفير من وقع في الشرك ثلاثة أمور:
- الأول: اعتقاد استحقاق غير الله للعبادة.
- الثاني: العلم بحقيقة الشرك ثم مدحه وتحسينه.
- الثالث: الإصرار على المخالفة بعد إقامة الحجة.
- التاسعة والثلاثون: بعض موانع تكفير من وقع في الشرك جهلاً، وهي:
- الجهل الناشئ عن حداثة العهد بالإسلام.
- الجهل الناشئ عن الشبهات التي يعذر بها.
- الوقوع في وسيلة من وسائل الشرك أو فيما يحتمل الشرك وغيره.
- الأربعون: أن الولاء والبراء قد يطرأ عليه عدة عوارض، تجعل المخالفة فيه معصية من المعاصي، ولا تكون كفراً، ومن أهم هذه العوارض: عارض الإكراه، وعارض التأويل، وعارض المصالح الدنيوية والعصبيات، وعارض الجهل.
- الحادية والأربعون: أن المناط المكفر في الولاء والبراء هو: ولاء الكفار حباً في دينهم، وعداوة المؤمنين كرهاً لدينهم.
- الثانية والأربعون: أن المعلوم من الدين بالضرورة يتنوع بتنوع الأشخاص والمسائل، بحيث أنه ما يكون معلوماً بالضرورة لشخص، قد لا يكون كذلك لشخص آخر، فالمعول عليه هنا هو أن يكون معلوماً بالضرورة للشخص المعني؛ وبناءً عليه فالقول بعدم عذر الجاهل بالمعلوم من الدين بالضرورة مطلقاً، غير صحيح بل يحتاج إلى مراجعة وتأمل.
- الثالثة والأربعون: أن القول بعذر الجاهل بالضوابط الشرعية هو الذي دلت عليه النصوص من الكتاب والسنة، وهو ما قرره أئمة الإسلام وعلماؤه ودعاته على مر العصور؛ وهذه المسألة ليست من الأصول التي يبدع فيها المخالف، بل تبقى من موارد الاجتهاد نظراً لتداخل بعض جزئياتها مما يصعب فيها الحسم.
وفي الأخير أرجو الله تعالى أن أكون قد وفقت في هذا البحث، وقمت بما التزمت به في منهج البحث، وأن يكون ما كتبت خالصاً لوجهه الكريم، لاحظ لغيره فيه، كما أرجو أن يكون هذا الجهد المتواضع إسهاماً مني في بيان مسالك أئمة أهل السنة وآرائهم في هذا الموضوع الجليل، قدر طاقتي ووسعي. و {رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا} الآية.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.