إن كثيراً من الكتابات حول مشكلة الغلو تنبع من اتهام الغلاة بالعمالة أو بالخيانة، أو بأنهم خوارج، أو بأنهم كفار أو نحو ذلك. ولذلك فإني أوصي بالحذر من الوقوع في نظير ما يتهم به الغلاة من تكفيرهم للناس. فإن ألفاظ التكفير والخروج ونحوها ألفاظ شرعية يجب ألا تطلق جزافاً، بل بناء على ضوابط وقواعد شرعية.
كما أوصي بالحذر من الاتهام بالعمالة والخيانة ونحوها، لإنه إذا علم الغالي من نفسه البراءة من هذه التهم، فلن يزيده الاتهام إلا تمسكاً بما هو عليه.
خامس عشر: الحذر من الازدواجية والتناقض:
إن من أهم الجوانب التي يجب أن يأخذ بها من يريد معالجة الغلو الحذر من الازدواجية والتناقض. وهذه الازدواجية قد وقع فيها كثير من المعاصرين، فبينما ترتفع الأصوات في بعض المجلات والصحف، وتفتح الملفات الصحفية لموضوع: (النقاب) باعتباره مظهراً من مظاهر الغلو - كما يزعمون - لا نرى من يفتح فمه من أولئك مستنكراً ظاهرة العري في الشوارع وعلى الشواطئ، وظواهر الانحلال في المجتمع المسلم بحجة (الحرية الشخصية. أفليس لبس: (النقاب) أيضاً من (الحرية الشخصية)؟!
وهذه الازدواجية أدت إلى إضرام النار في قلوب المعتدلين فضلاً عن الغلاة. (ولو أن الإنسان وقف موقفاً إيجابياً من المتنكرين للدين والمتحللين من أحكامه، وغير ما يراه من المنكر بيده أو بلسانه، ما وجدت عندنا ظاهرة التطرف في الدين. ولو وجدت - لسبب أو لآخر - لكانت أخف وطأة مما ظهرت به).
سادس عشر: الحذر من الخلط بين الصحوة والغلو:
إن من الواجب على المسلمين؛ قادة، وعلماء، وعامة، أن يحذروا من الخلط بين الصحوة الإسلامية، وبين الغلو. وأن يحذروا من أساليب الأعداء التي تبرر ضرب الصحوة الإسلامية تحت ستار ضرب الغلو فإن الغلو في المجتمعات المسلمة المعاصرة قليل الحجم ومن الظلم أن يسحب الحكم على الكثرة التي تمثل تيار الاعتدال.
وإني في ختام هذا البحث أثني بحمد الله عز وجل الذي بنعمته تتم الصالحات، والذي له الحمد في الأولى والآخرة، وله الحكم وإليه ترجع الأمور. وأؤكد أني في هذا البحث قد خففت وإن ظن أني قد أكثرت، واختصرت وإن ظن أني قد أطلت. فما أعرضت عنه صفحاً أكثر بكثير مما ذكرت.
وإنه لقمن بكل واقف على هذا البحث أن يسدد ما به من خلل، وأن يستر ما فيه من زلل، فلقد علمت الأوائل والأواخر أنه ليس من العصمة أمان، خصوصاً إذا صدر الكاتب عن وفاض ليس فيه من العلم إلا القليل، وكتب بقلم كليل.
فاللهم لا تعذب يداً كتبت تريد نفي تحريف الغالين وانتحال المبطلين عن دينك، ولا لساناً أراد الذب والدفاع عن شريعتك، ولا تحرمني بفضلك خير ما عندك بشر ما عندي.
والحمد لله رب العالمين.