للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه العاشر: أن العلم ببيان الأسماء والصفات إما أن يكون من الدين أو لا فإن كان من الدين فالله يقول: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) (١) فلابد وأن يكون قد بيّن لهم ذلك؛ لأن الدين لا يكمل إلا به، فإن قيل ليس من الدين فقائله مخالفٌ لإجماع المسلمين سلفاً وخلفاً، إذ بحثهم فيه وتقريرهم له دليل على أنه من الدين.

الوجه الحادي عشر: احترامهم لنصوص الكتاب والسنة المبني على حسن الظن بالله ورسوله وجدهم في فهم مقاصدها وإدراك معانيها والعلم بمدلولاتها ثم العمل بما دلَّت عليه.

الوجه الثاني عشر: ردّهم فيما يتنازعون فيه مع الخلف لكتاب الله والسنة عملاً بقوله تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) (٢) ورجوع الخلف إلى عقولهم ومقاييس الفلاسفة الذين هم القدوة عندهم.

الوجه الثالث عشر: أن علم السلف بهذا الباب وغيره راجعٌ إلى الكتاب والسنة، وعلم الخلف مرجعه ما تستحسنه عقولهم وأقيستهم.

الوجه الرابع عشر: أن القدوة عند السلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، وقدوة الخلف العقول الآدمية والمقاييس اليونانية الوثنية.

الوجه الخامس عشر: أن السلف أسسوا مذهبهم على إثبات الكمال، والخلف بنو مذهبهم على نفيه أو نفي بعضه.

الوجه السادس عشر: أن مذهب الخلف بني على الاعتراض على النصوص، ومذهب السلف بني على الإيمان والتسليم، إذ قال الخلف ما في النصوص لا يليق بالله.

الوجه السابع عشر: أن الخلف حرّفوا الكلم عن مواضعه فقالوا مثلاً استوى بمعنى استولى، كما قال بنو إسرائيل حنطة بدلاً من حطة فبدَّلوا كلام الله، والسلف امتثلوا الأمر وسلّموا لله ورسوله.

الوجه الثامن عشر: أن الخلف بنو مذهبهم على سوء الظن بالنصوص، إذ ظاهرها عندهم التشبيه؛ فنفوا وتأولوا والسّلف آمنوا بما جاء عن الله ورسوله وسلّموا فجمعوا بين احترام النصوص والإيمان بها.

المبحث الثاني

الأسباب الداعية لعدم انتشار مذهب السلف

ولعدة أسباب بقي الناس ردحاً من الزَّمن جاهلين بمذهب السلف متنكرين له وهي على سبيل الإجمال كما يلي:

أولاً: سوء الفهم لمذهبهم وذلك لأن الكثير من الناس ظنوا أن مذهب السلف هو مذهب أهل التفويض.

ثانياً: الإعراض عن الكتاب والسنة فإن الحظ يكمل في إدراكه بقدر علم الرجل وقربه من الكتاب والسنة.

ثالثاً: قيام صلاح الدين بنصرة مذهب الأشاعرة وتدريسه في الأزهر مما أدى إلى انتشاره وجهل الناس بمذهب السلف (٣).

رابعاً: ترجمة كتب عقائد الفرس واليونان والروم التي أثَّرت في عقول الكثير من الناس فأفسدت عقائدهم تصوراتهم.

خامساً: ركون الكثير من المنتسبة للعلم إلى تحكيم مقاييس المنطق وأصوله في المطالب الإلهية واشتغالهم به مع القصور في معرفة الكتاب والسنة.

سادساً: كيد أعداء الإسلام بقصد بتر الصلة بين الأمة وسلفها الصالح طلباً لإفساد معتقداتها.

سابعاً: قيام بعض الخلفاء بنصرة المذاهب البدعية ونشرها كالمأمون في نصره للمعتزلة.

ثامناً: الاضطهاد الذي بُلي به كثيرٌ من علماء السلف مما أوقع الخوف في نفوس كثيرٍ من الناس عن اعتناقه أو تبليغه.

تاسعاً: الحملات المسعورة، فمن انتسب للعلم يرمي مذهب السلف بالألقاب الشنيعة والألفاظ البذيئة، كوسمهم بالحشوية والمشبهة والمجسمة.

عاشراً: ظلمة القلوب باعتقاد الباطل والدفاع عنه.

الحادي عشر: تقصير كثيرٍ من العلماء بمذهب السلف في نشره وإيضاحه للناس إما خوفاً من بطش الحكّام أو تسفيه علماء عصره.

الثاني عشر: التقليد الأعمى في باب الاعتقاد الذي بُليت به الأمة فعقيدة المسلم هي عقيدة من علمه.

الثالث عشر: عدم إتقان كثيرٍ من العلماء المنتسبين إلى السلف علوم المنطق ومقاييسه حتى يقابل حجة الخلف المنطقية بمثلها.

الرابع عشر: قلة الكتب المؤلفة فيه في كل عصر، فإن لكل عصر من اللغة تعابير تناسبه وأساليب توافقه اكتفاءً من علماء السلف بكتب من تقدمهم.

الخامس عشر: تقصير كثيرٍ ممن ينتسب إلى المذهب السلفي في فهمه وإدراكه وتحصيل الملكة المتمكنة فيه.

وبهذا البحث تم بحمد الله وتوفيقه ما عزمت عليه من بيان الأصول العقدية وإيضاح المناهج السلفية، راجياً من الله أن يكون هذا العمل خالصاً لوجه الله الكريم، وافياً بالغرض من كتابته موضحاً لما أُبهم ومبيناً لما أغلق وداعيةً سياراً لمذهب سلفنا الصالحين، يهدي به الله من شاء من عباده، والله أسأل أن ينفع به قارئه وسامعه وكاتبه، وأن يجعله لي صدقةً جاريةً موجبةً لمغفرته وجنته، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.


(١) سورة المائدة، آية: (٣).
(٢) سورة النساء، آية: (٥٩).
(٣) انظر جلاء العينين في محاكة الأحمدين ص (٢١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>