للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكثير من الذين لم تكن لديهم قدرة كافية للبحث في الأحاديث الواردة وتمييز صحيحها من سقيمها أو كانت عندهم القدرة الكافية لكنهم لم يتجشموا مشقة البحث والتحقيق لما رأوا تلك الفتن والمشاكل من جهة وهذه الخرافات من جهة أخرى أعلنوا بدون تردد أن حديث المهدي حديث خرافة. ونظروا في الروايات الواردة في المهدي نظرة عابرة فتبدت لهم بعض الشبهات فزعموا أنها تقوي رأيهم.

شبهات المنكرين

(أ) أحاديث المهدي لم يخرجها البخاري ومسلم:

وقد ردد هذه الشبهة كثير من الذين كتبوا في إنكار فكرة المهدي. فقال السيد محمد رشيد رضا:

(لم يعتد الشيخان بشيء من رواياتها) (١).

وقال الأستاذ أحمد أمين: (ولم يرو البخاري ومسلم شيئاً عن أحاديث المهدي مما يدل على عدم صحتها عندهما) (٢).

وكذلك سعد محمد حسن في كتابه المهدية في الإسلام (٣).

وغيرهم.

وظن هؤلاء أن الشيخان لم يخرجا أحاديث المهدي لعلة فيها عندهما. ولكن هذا الظن ليس بصحيح. وذلك لأمور:

(١) إن الشيخين لم يحيطا بجميع الأحاديث الصحيحة ولا ادعيا ذلك فقد قال البخاري: (ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح وتركت من الصحاح لحال الطول) (٤). وقال مسلم: (ليس كل شيء عندي صحيح وضعته هاهنا- يعني كتابه الصحيح- إنما وضعت هاهنا ما أجمعوا عليه) (٥).

(٢) هناك أحاديث كثيرة جداً استدل بها العلماء وعملوا بها ولا توجد في الصحيحين، حتى في أمور العقائد ومنها الحديث المشتمل على العشرة المبشرين بالجنة. والحديث الدال على أن نسمة المؤمن طائر يعلق في الجنة. وحديث البراء بن عازب الطويل في أحوال القبر حتى البعث وحديث وزن الأعمال وغيرها (٦). فمن الخطأ أن يظن أن عدم إخراج الشيخين أحاديث المهدي يدل على أنها لم تصح عندهما.

(٣) إن كلامهم هذا ليس بصحيح على إطلاقه. بل في الصحيحين أحاديث تتعلق بالمهدي وإن لم تكن صريحة في ذكره. إلا أن الأحاديث الأخرى تبين أن المراد بها هو المهدي المنتظر. فراجع الأحاديث: ٢٧، ٣٦، ٣٨، ٣٩ من هذا الكتاب.

(ب) هل هناك أحاديث تنكر وجود المهدي؟

لقد زعم بعض الناس أن أحاديث المهدي معارضة بحديث (لا مهدي إلا عيسى بن مريم) (٧). إلا أن هذا الحديث ليس بصحيح كما سيأتي بتفصيل في القسم الثاني لهذا الكتاب إن شاء الله. ولذلك فلا يمكن الاستدلال به. وحتى ولو صح الحديث فلا يبطل تلك الأحاديث الكثيرة الواردة في ذكر المهدي غير عيسى. فيتعين الجمع بينهما. فيقال: (لا مهدي في الحقيقة سواه وإن كان غيره مهدياً كما يقال: لا علم إلا ما نفع ولا مال إلا ما وقي وجه صاحبه.

كما يصح أن يقال إنما المهدي عيسى بن مريم يعني المهدي الكامل المعصوم) (٨).

(ج) هل أحاديث المهدي كلها ضعيفة؟:

ولقد حاول ابن خلدون تضعيف أحاديث المهدي كلها واستند في رأيه على هذا إلى كلام العلماء (إن الجرح مقدم على التعديل) ثم ذكر بعض ما ورد في الطعن في رواة أحاديث المهدي. والحقيقة أن المحدثين حينما يقولون: (إن الجرح مقدم على التعديل) لا يريدون منه الإطلاق. بل لابد أن يكون الجرح مفسراً حتى يتمكن الباحث من النظر فيه وهل هو جرح حقيقة أم لا؟ فقط يضعفه الجارح بسبب يراه قادحاً بينما هو ليس بقادح عند غيره (٩).


(١) تفسير المنار (٩/ ٤٩٩).
(٢) ضحى الإسلام (٣/ ٢٧٧).
(٣) المهدية في الإسلام (ص٧٠).
(٤) مقدمة ابن الصلاح مع التقييد والإيضاح (ص٢٦).
(٥) المصدر السابق (ص٢٦).
(٦) انظر تفصيل هذا المبحث في رسالة الشيخ عبد المحسن العباد (عقيدة أهل السنة والأثر) (ص١٥٦/ ١٥٧).
(٧) انظر الإحسان (٢٩٤ ب)، منهاج السنة (٤/ ٢١١)، تاريخ ابن خلدون (١/ ٥٧٥).
(٨) المنار المنيف (ص١٤٨).
(٩) انظر الكفاية للخطيب البغدادي (ص١٧٨ - ١٨٦) لتفصيل هذه المسألة.

<<  <  ج: ص:  >  >>