٦ - للوسطية ملامح وسمات تحف بها وتميزها عن غيرها، بمجموع تلك الملامح لا بآحادها.
وقد توصلت إلى تحديد أهم تلك السمات والملامح باستقراء القرآن الكريم، وما ورد في وسطية هذه الأمة بين الأمم، وكذلك ما كتبه بعض الباحثين في ضوء الكتاب والسنة.
إن تحديد تلك الملامح مهمة أساسية، حتى لا تكون الوسطية مجالاً لأصحاب الأهواء وأرباب الشهوات.
وقد توصلت إلى أن أهم سمات الوسطية ما يلي:
١ - الخيرية.
٢ - الاستقامة.
٣ - اليسر ورفع الحرج.
٤ - البينية.
٥ - العدل والحكمة.
وكل سمة من هذه السمات يندرج تحتها بعض آحادها. وأشرت إلى أن هذه الملامح تصلح ضابطاً لتحديد الوسطية ومعرفتها، بما يجيب على السؤال الذي يرد في الأذهان.
أين ضابط الوسطية؟ وكيف نميزها عن غيرها؟
٧ - نزل القرآن هداية للناس ونوراً، يخرج الله به من شاء من الظلمات إلى النور، ولزوم منهج الوسطية عين الهداية وجوهرها، ولذلك فقد جاءت الآيات مستفيضة ترسم منهج الوسطية وتدل عليه. والوسطية ليست محصورة في جزئية من الجزئيات، بل ولا في ركن واحد من الأركان، وإنما هي منهج متكامل، لا ينفصل بعضه عن بعض، فالإسلام كله وسط، وهذه الأمة أمة الوسط. {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}. [سورة البقرة، الآية: ١٤٣].
والذين يغفلون عن هذه الحقيقة يغفلون عن حقيقة القرآن وهداياته.
ومن هذا المنطلق بينت – بالتفصيل – تقرير القرآن لمنهج الوسطية في أبواب كثيرة، أجملها فيما يلي:
١ - الاعتقاد.
٢ - التشريع والتكليف.
٣ - العبادة.
٤ - الشهادة والحكم.
٥ - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
٦ - الجهاد في سبيل الله.
٧ - المعاملة والأخلاق.
٨ - كسب المال وإنفاقه.
٩ - مطالب النفس وشهواتها.
وختمت هذه الأبواب بباب ضمنته شواهد متفرقة، تدل على منهج الوسطية وتأمر به.
هذا بالإضافة إلى ما ذكرته في أول هذا المبحث من دلالة سورة الفاتحة على هذا المنهج في عدة آيات منها.
ومن خلال هذه الأبواب اتضح لنا أن الوسطية منهج حياة، وتشريع متكامل، لا يقبل التجزئة والتفريق، وأن أدلة الوسطية ليست هي التي ورد فيها لفظ (الوسط) فقط، بل أعم من ذلك وأشمل، والآيات التي جاءت تدل دلالة صريحة على منهج الوسطية تربو على العشرات، إذ هي في عداد المئآت.
٨ - وبعد بيان موجز للمسائل العلمية التي توصلت إليها في هذا البحث، أذكر أهم النتائج العملية التي نخرج بها من هذه الدراسة العلمية.
أ - أن أهم أسباب نشوء جماعات الغلو بين المنتسبين إلى الدعوة في هذا العصر هو الجهل بحقيقة الوسطية، بل الجهل بمكانتها في الإسلام.
ب - وكذلك أجد من الأسباب الرئيسة لقبول ما يطلقه الأعداء على الدعاة الصادقين من ألقاب وأوصاف: كالتطرف والغلو، والتزمت والتشدد، ونحوها، من أبرز قبولها ورواجها بين الناس سببان:
١ - الجهل بحقيقة الوسطية الشرعية، وتصور أولئك العامة أن الوسطية التي أمر الله بها تعني التساهل والتنازل واتباع شهوات النفس ورغباتها، ولهذا تجدهم يستخدمون هذا الفهم مقياساً لرمي الدعاة بتلك الأوصاف والألقاب.
٢ - السبب الثاني وهو أهم من الأول في قوة التأثير: عدم ممارسة الوسطية على وجهها الصحيح من قبل بعض الدعاة والملتزمين، حيث تجد خللاً في تطبيقها أتاح للأعداء فرصة اقتناص بعض الأخطاء والهفوات، ومن ثم إقناع كثير من الناس بصحة تلك الدعاوى وتلبيس هذه التهم الباطلة.
جـ - وأخلص إلى حقيقة عملية تكون هي المخرج مما نعانيه تجاه موضوع الوسطية، وتتمثل هذه الحقيقة فيما يلي:
١ - بذل الجهود العلمية من قبل العلماء وطلاب العلم في بحث موضوع الوسطية، واستفراغ الوسع في ذلك، حيث أرى أن هناك جوانب مهمة لم تعط حقها من البحث والدراسة.
٢ - عقد الندوات والمحاضرات لبيان أهمية هذا الموضوع وحقيقته، وأثره الإيجابي في حياة الناس.
٣ - الممارسة العملية الواقعية لمنهج الوسطية من قبل العلماء وطلاب العلم والدعاة، مما يتيح للناس أن يروا القدوة الصالحة التي هم في أمس الحاجة إليها.
٤ - تربية الأمة على هذا المنهج تربية عملية شاملة، مما يقضي على الخلل الموجود في محيط المجتمع المسلم سواء أكان إفراطاً أو تفريطاً.
٥ - وأخيراً فإن هناك لبساً في فهم الوسطية وممارساتها من قبل بعض الجماعات والدعاة، وهذا اللبس أدى إلى أنهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، فرأينا التنازل مع الأعداء باسم المصلحة، وضعفاً في حقيقة الولاء والبراء بحجة تأليف القلوب والدعوة إلى الله، ومصانعة لبعض الظالمين بدعوى دفع الشر والفتنة، وهكذا.
ولذلك لابد من تصفية المنهج مما علق به ليكون وفق الكتاب والسنة، ومنهج سلف الأمة، فلن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.