ومما تقدم يعلم أن من عرف الإيمان بما قال أهل السنة، ثم جعل الكفر محصورا في التكذيب والجحود فقد تناقض وخالف أهل السنة، ومثله في التناقض من يجعل العمل شرط كمال في الإيمان ثم يقرر أن الكفر يقع بالاعتقاد والقول والعمل.
٧ - أن أصل ضلالة المرجئة جعلهم الإيمان شيئا واحدا لا يتبعض ولا يتجزأ.
وهذا الأصل كان له أثر عليهم في مخالفة أهل السنة في الاسم لا الحكم، فهم وإن قالوا في الفاسق: مؤمن كامل الإيمان إيمانه كإيمان جبريل وميكائيل بناء على أصلهم هذا، إلا أنهم يوافقون أهل السنة في حكمه، وأنه مستحق للعقاب.
فلا تلازم عندهم بين الاسم والحكم في حق الفاسق.
٨ - الإرجاء بدعة خبيثة، وأهلها درجات، أخفها مرجئة الفقهاء، وقد أنكر السلف على أهلها، وقالوا فيهم المقالات الغليظة.
٩ - أن خلاف أهل السنة مع مرجئة الفقهاء خلاف حقيقي، ومن نسب لشيخ الإسلام غير هذا فقد أخطأ.
والمرجئة يعتبرون الخلاف بينهم وبين أهل السنة يتلاشى إذا عد أهل السنة الأعمال شرطا في كمال الإيمان الواجب.
١٠ - الإرجاء عند المرجئة هو قول: إن المعصية لا تضر مع الإيمان كما لا تنفع الطاعة مع الكفر.
والتحقيق أن هذا النوع من الإرجاء لا يعرف معين يقول به، وقد يكون – والعلم عند الله – من افتعال المرجئة ليكون لهم سلاحا يشهرونه في وجه من يرميهم بالإرجاء.
١١ - المرجئة لا يمتنعون من القول بدخول الأعمال في الإيمان، إذا كان لا يترتب على زوالها زوال الإيمان.
فالعمل ركن من الإيمان الكامل، وليس بركن من أصل الإيمان الذي لا نجاة من الخلود في النار إلا به.
١٢ - المرجئة لم يهدروا العمل، بحيث إن من لم يأت به لم يضره ذلك، ولم يدخلوه في الإيمان بحيث يترتب على وجوده الإيمان وعلى عدمه الكفر.
١٣ - تبين من دراسة بعض كتابات المعاصرين أننا أمام انحراف كبير وإرجاء صريح أخرج للناس باسم السنة، ولسنا أمام نزاع لفظي – كما يدعي البعض – ناتج عن استعمال لألفاظ حادثة، ومن زعم ذلك فهو أحد رجلين إما أنه لم يعرف ما يقول القوم، أو أنه لا يعرف مذهب السلف.
فالقوم يقولون بصحة إيمان من لم يأت بعمل ظاهر مع القدرة وعدم الممانعة وحصول المهلة، ويؤكدون ذلك بأن الأعمال الظاهرة كلها متعلقة بالإيمان المطلق، فانتفاؤه انتفاء للإيمان المطلق، ويصرحون بأن الأعمال الصالحة كلها شرط في كمال الإيمان الواجب.
فهؤلاء وإن قالوا: الإيمان قول وعمل، فموافقتهم لأهل السنة موافقة لفظية كموافقة شبابة بن سوار لأهل الحديث.
١٤ - ولذا لا يخرجون في شرح اعتقاد السلف في الإيمان عن محامل وتوجيهات المرجئة الخلف له.
١٥ - من خلال استعراض بعض ما كتبه مرجئة العصر تبين أن القوم أتوا من سوء فهمهم، كظنهم أن السلف أرادوا بإدخال العمل في مسمى الإيمان ترتيب الثواب والعقاب عليه، وهو ما تقر به كل أو غالب المرجئة.
ثم اختلفوا في إيجاد فارق بين مذهب السلف على فهمهم ومرجئة الفقهاء.
فزعم أحدهم بأن "ظاهر كلام مرجئة الفقهاء أنهم يقولون الإيمان قول وعمل، إلا أنهم يرون أنه بمجرد القول والعمل قد أتى كمال الإيمان، وإن فعل من المعاصي دون الشرك، فإيمانه كامل لا ينقص".
وهذه جرأة على السلف الذين ردوا على المرجئة ما بعدها جرأة!!
زعم آخر بأن مرجئة الفقهاء ترى فيمن صدق بقلبه ونطق بلسانه أنه يستحق دخول الجنة بغير عذاب ولو ارتكب كل ما استطاع من المحرمات دون الشرك وترك الفرائض كلها.
وهذا جهل فاضح يضاف للذي بني عليه.
١٦ - أدلة مرجئة العصر هي شبهات المرجئة الأوائل وليس هناك جديد سوى نقل مبتور أو احتجاج بمتشابه من القول، وأعجب من ذلك أنك ترى أحدهم يعمد إلى رواية مشكلة يناقشها بعض أئمة أهل السنة فينتزعها من نقاشه ويدع درر كلامه ونفيس جوابه عليها.
والله أسأل أن يجعله خالصا لوجهه الكريم، إنه جواد كريم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.