الرابعة عشرة: الحجج التي أوردها الكلابية ونحوهم على الصفات الاختيارية، والتي أوردها المعتزلة والجهمية هي السبب في تسلط الفلاسفة على الإسلام، وأن ما ذهب إليه أهل السنة من إثباتها لله تعالى، هو الرد الذي لا يمكن معه تسلط الفلاسفة ولا غيرهم، لأنه هو الموافق للنقل الصحيح والعقل الصريح. وأن ما ذهب إليه الفلاسفة بسبب هذا من قولهم بقدم المخلوقات أعظم ما ذهب إليه الجهمية، والمعتزلة والأشعرية ونحوهم.
الخامسة عشرة: المتكلمون لا للإسلام نصروا ولا الفلاسفة كسروا.
السادسة عشرة: الأصول التي انتهى إليها الجهمية في نفي الصفات ثلاثة: حجة الأعراض والاستدلال بها على حدوث الأجسام، حجة التركيب، حجة الاختصاص، وأن كل مركب أو مختص مفتقر إلى غيره، وإلى جزئه، وكل ممكن ومحدث مخلوق.
السابعة عشرة: الرازي والآمدي أبطلوا جميع ما احتج به قدماء الأشعرية والكلابية على نفي الصفات الاختيارية، واحتجوا بحجة أضعف مما أبطلوه، فلم يبق إلا الإثبات. وتصريح الرازي بأنها لازمة لجميع الطوائف وإن أنكروها باللسان يدل على أنه تبين له بطلان نفيها.
الثامنة عشرة: الشبهات والحجج الواردة على صفة النزول لا تخلو إما من: قياس وتمثيل الله بخلقه، وإدخاله تحت قضية شمولية يتماثل أفرادها، وإما من أثر مكذوب أو لا دلالة فيه. ونحو ذلك.
التاسعة عشرة: شبهة نفي النزول لاختلاف ثلث الليل في البلاد سببها قياس الله على خلقه، فإن المخلوق هو الذي يستحيل في حقه النزول إلى قوم إلا مع الانصراف عن غيرهم، أما من هو على كل شيء قدير فإنه ينزل مع تعدد ثلث الليل في وقت واحد على أكثر من بلد، أو أكثر من ذلك، ومع وجود ثلث الليل في كل الأوقات، وينزل على سماء كل قوم الدنيا، في ثلث ليلهم من غير أن يشغله ذلك عن النزول على غيرهم في الوقت نفسه أو بعده، وقبله، ويصعد من سماء كل قوم إذا طلع فجرهم، وقد يكون في الوقت نفسه نازل على غيرهم. ومثل هذا مستحيل في حق المخلوق، والرب ليس كخلقه، وهو مع كل ذلك فوق عرشه لا يخلو منه عرشه.
العشرون: اختلاف ثلث الليل في البلاد من أعظم الأدلة على أن الرب لا يخلو منه عرشه، وإلا لما كان فوق العرش قط.
الواحدة والعشرون: التأويل بدعة شنيعة وفيها طعن في الرسول صلى الله عليه وسلم في فصاحته أو في علمه أو في نصحه.
الثانية والعشرون: التأويل لا يصح عن أحد من السلف، بل المتواتر عنهم إنكاره، وأن ما نسب إليهم من ذلك إما أنه لا يصح عنهم، وإما أنه لا يدل على ما يريد أهل التأويل، وأنهم أجمعوا على ترك التأويل، وبيان خطره.
الثالثة والعشرون: جميع التأويلات التي ذكرها المتأخرون لصفة النزول، هي بعينها التي ذكرها المريسي ورد عليها الإمام عثمان الدارمي في نقضه على المريسي، يدل هذا أن أصلها من الصابئة والفلاسفة والمجوس ونحوهم، لأن المريسي إنما أخذها عنهم.
الرابعة والعشرون: القرآن والسنة ليس فيهما ألفاظ مجملة، ومنهج أهل السنة في الألفاظ المجملة عدم الإثبات وعدم النفي، حتى يستفصل عن المعنى فإن كان المعنى صحيحاً موافقاً لما جاء به الكتاب والسنة قبل، ورد اللفظ واستبدل به ما ورد، وإن كان المعنى باطلاً رد ورد اللفظ كلفظ الجسم والحيز، الجهة، الحركة، العرض، الحوادث ونحو ذلك.
الخامسة والعشرون: افترق الناس في صفة النزول على فرق:
الأولى: مفوضة المعنى، وقالوا: نؤمن باللفظ ولا نفهم منه وهم معطلة، ومنهم البيهقي والخطابي.
الثانية: أهل التأويل، وهم أكثر الجهمية، ومنهم من تأول ذلك الرحمة أو الملك أو غير ذلك.
الثالثة: من كذب الحديث ورده، وهم المعتزلة والخوارج.
الرابعة: من مثل الله تعالى بخلقه، فجعل نزوله كنزولهم، بحيث يخلو منه مكان ويشغل آخر، ويكون بعض المخلوقات فوقه أو يحيط به شيء من المخلوقات، أو نحو ذلك، وكل هذا مخالف للكتاب والسنة والإجماع والعقل.
الخامسة: من يمرون النصوص كما جاءت، أي على معناها الذي يفهم من لغة العرب، وهو موقف أهل الحق وهم الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة، وهو الإيمان بنزول الرب تعالى، الوارد في النصوص: إثباتاً بلا تمثيل، وتنزيهاً بلا تعطيل، ومن غير تكييف لنزوله، أو تحريف له عن ظاهره.
وأخيراً: فإنه لازال في البحث فوائد كثيرة ومسائل مهمة وإنما اكتفيت بذكر بعضها فقط.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.