الخامسة: أن قارئ تراث الفكر الصوفي المدون في مختلف العصور إذا أمعن النظر في تصور الصوفية (للولي) و (القطب) و (الشيخ الصوفي) يخرج بنتيجة تؤكد أن هؤلاء لم يتركوا شيئا مما يستحقه المولى عز وجل من الصفات وأنواع العبادات إلا ووصفوا بها أولئك (المقدسين) وتوجهوا بتلك العبادات إليهم، وتؤكد أن فرقة الصوفية من أجهل الطوائف بحقوق الله على خلقه. وهذا البحث شاهد من شواهد هذه الحقيقة.
السادسة: عُلم بالاستقراء أنه ليس هناك صوفي أقر له كبار الصوفية بأنه من أهل الفتح والعرفان إلا ونجد في فكره – إن كان له فكر مدون – ما يدل دلالة واضحة على كونه من أهل الحلول أو الاتحاد، إن لم يكن موغلاً في الوحدة المطلقة، كما علم بتتبع فكرهم أن كبار الصوفية إذا أطلقوا كلمة (التوحيد) و (المعرفة) إنما يقصدون بها وحدة الوجود. وهذا هو ما يفسر حرصهم على كتمان توحيدهم غاية الكتمان، ولا يظهرونه إلا عند أخص أصحابهم.
السابعة: أن الصوفية بنشرهم عقيدة الحلول قدموا للصليبيين أهل التثليث خدمات جليلة ما كانوا يحلمون بها، ووضعوا في طريق إفحام أهل التثليث أسلاكاً شائكة: فإذا قيل لهم – مثلاً -: أنتم تتناقضون بقولكم إن الثلاثة واحد. أجابوا بأن في المسلمين من يقول بمثله وهم الحلوليون. وهذا الأمر هو السر وراء اتجاه المستشرقين الصليبيين إلى نبش التراث الصوفي الحلولي وتحقيقه وطباعته منذ وقت طويل.
الثامنة: تأكد لنا من خلال هذا البحث أن من أعد نفسه لاعتقاد كل ما ينشر في الفكر الصوفي فسوف يجد نفسه محاطاً بعدد لا يحصى من الأرباب والآلهة كل يدعو إلى نفسه بأساليب مختلفة ومناهج ملتوية، وفي ذلك من أسباب الحيرة والدهشة والشقاوة ما لا يزول إلا بالعودة الصادقة الجادة إلى الاعتصام بالكتاب السنة عقيدة وعملاً وسوكاً.
التاسعة: لقد تحقق لي خلال هذا البحث العثور على فوائد عظيمة من فقه السلف في العقيدة والعبادة، كما تحقق لي بعض الاكتشافات العلمية، ولعل من أهمها اكتشاف مؤلف كتاب (النور من كلمات أبي طيفور) الذي حققه المحقق الكبير د. عبد الرحمن بدوي بمساعدة أستاذه المستشرق البحاثة (ماسنيون) ولم يستطع أحد منهما أن يعرف مؤلف الكتاب، فرجح المحقق أنه لمؤلف مجهول.
فوقفت في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية على التصريح بأن الكتاب المذكور ألفه أبو الفضل الفلكي، ولله الحمد والسنة.
التوصيات
١ - عمدت الصوفية – منذ وقت مبكر – إلى تدوين معتقداتها ومناهجها في تربية المريدين على تقديس الأشخاص وعبادتهم في دواوين ضخمة.
وفي العصر الحديث بادروا – ومعهم إخوانهم من المستشرقين الصليبيين – إلى تحقيق ونشر جل المصنفات الصوفية المليئة بالخرافات والضلالات، فصارت تتداول في معظم بقاع العالم الإسلامي وغيره على نحو من اليسر والسهولة لم يتح لكتب السنن والآثار التي تحمل في طياتها التفسير النبوي للإسلام.
وباتت المطالبة بإتلاف تلك الكتب وإعدامها من المكتبات العامة والخاصة ومن الأسواق لا تعدو كونها ضرباً من الخيال.
فأرى أن من الضروري – إذا شئنا مكافحة هذا الفكر – تشجيع العلماء وتوجيه طلاب الدراسات العليا إلى تقديم بحوث ودراسات جادة تناقش آراء جميع الفرق الضالة وتبين زيف معتقداتها ومناهجها بالحجة والبرهان. وينتظر من الجامعات الإسلامية، والمؤسسات الدعوية أن تلعب في هذا دوراً أكبر مما هو مشاهد الآن.