للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٠ - تعتبر صفة " العبودية" هي أسمى الصفات التي مدح الله تعالى بها عباده، وعلى رأسهم الأنبياء الذين هم صفوة البشر بل هي الصفة التي وصف الله تعالى بها نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، وكان عليه الصلاة والسلام، يحب أن يوصف بها وينادي، ونهى أصحابه وقومه من بعده أن يرفعوه فوق منزلة " العبودية" أو أن يبالغوا في إطرائه، فلا منزلة أرفع وأعلى من العبودية إلا الألوهية، لذا فحذرهم من أن يقعوا في مثل صنيع النصارى بعيسى بن مريم عليه السلام حيث قالوا إنه الله، وقال الكثيرون منهم إنه ابن الله – تعالى الله عما قال هؤلاء الظالمون علوا كبيرا. كما سد عليه الصلاة والسلام أبواب الغلو في تعظيمه كالحلف به أو إشراف قبره واتخاذه مسجدا وعيدا، أو التوسل به، أو الالتجاء إليه، إلا أنه قد وقع مما يؤسف بعض المسلمين ممن ينتسبون إلى الطرق الصوفية الضالة في إطراء النبي صلى الله عليه وسلم ورفعه فوق منزلته التي أنزله الله تعالى إياها.

١١ - قام الأنبياء كلهم بعبوديتهم لله جل وعلا حق قيام، كما دعوا أقوامهم إلى عبودية الله تعالى الحقة، وتحملوا في ذلك الصعاب والمشاق والأذى. حيث هي الغاية من إرسالهم جميعا، وقد جاء مع الرسل ومن بعدهم أتباع حملوا دين الله عز وجل وهو الإسلام والتزموا به قولا وعملا وبلغوه لمن بعدهم فبرزت جملة من أتباع الرسل عملوا جاهدين لتحقيق عبوديتهم لله تعالى الحقة ووصلوا إلى أعلى مراتب العبودية مع النبيين غير أنهم لم يوح إليهم.

١٢ - ظن كثير من الكائن البشري أن الكائنات الأخرى من الحيوانات والنباتات والجمادات سواء ما كان منها في عالم الشهادة أو علام الغيب لا تعقل ولا تدرك وليس لها عبودية نحو خالقها جل وعلا، وهذا الظن لا يغني من الحق شيئا إذ أن النصوص الشرعية أثبتت خلافه.

١٣ - إن للكائنات غير البشرية من الحيوانات والنباتات والجمادات إدراكا وعقلا وتمييزا يعينها على تحقيق عبوديتها لخالقها جل وعلا، والقيام بعبادات تقربها إلى الله تعالى من التسبيح والسجود والدعاء والصلاة وغيرها من العبادات التي جمعنا الأدلة المثبتة لها، وإن عدم إدراكنا نحن البشر وعدم فهمنا لتلك الكائنات لا يدل على عدم إدراكها وتمييزها وعبوديتها لله تعالى إذ أن خالقها يخبرنا عن ذلك بقوله: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} (٤٤) سورة الإسراء، أي أنها عابدة لله تعالى، وهو سبحانه أعلم بها، ولكن لا نعلم ذلك ولا نفقهه سوى النص الذي يجب الإيمان به، فقد خص الله تعالى نبيه سلميان عليه السلام وفهمه لغة الطير وغيرها من لغات الكائنات الأخرى فوجدها عليه السلام موحدة بالله تعالى، إن النصوص المتضافرة في عبودية هذه الكائنات لتدل على أنها كما أخبر الله تعالى عنها أنها عابدة له مسبحة بحمده هي وغيرها من الكائنات بما يجعل القارئ لهذه الرسالة يستمتع بما دون عن تلك الكائنات وتشتاق نفسه لمعرفة المزيد عما كتب عنها.

١٤ - لا عبرة بمن حمل نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة في إثبات عبودية الكائنات الحيوانية والنباتية والجمادية، على المجاز أو بمن استبعد ذلك بالكلية، إذ هو غرور الإنسان وتعاليه، إذ عظم عليهم أن يشاركهم في العقل والإدراك والتمييز والعبادة أحد من الكائنات الأخرى هذا مع قلة أدائهم للعبودية الحقة، إذ أولى من غيرهم بأدائها.

<<  <  ج: ص:  >  >>