للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا زلنا ولن نزل على هذا النهج بعون الله وتوفيقه. نعم: إن كل عاقل يدرك أن الدعوة السلفية ما زالت بحمد الله وستظل حية في النفوس قائمة متمثلة في الأعمال الملموسة في التصرفات ما تهن ولم تضعف، وأن حاملي لواءها من أشد الناس نهياً عن تكفير المسلمين أو تفسيقهم وتنقصهم وأذيتهم ولا نكفر إلا من كفره الله ورسوله، فأتى بما يوجب تكفيره أو تفسيقه، يقيناً فعند ذلك لن نتردد في الحكم عليه بما يستحقه في ضوء الكتاب والسنة، والقواعد التي قررها أهل العلم استنباطاً منهما، وأما الاجتهادات الفردية والمتسرعة واللامسؤولة فلا ينبغي أن تكون منطلقاً للحكم بتكفير أو تفسيق، بل يتعين دحض هذه الاجتهادات ومحاسبة قائليها بأسلوب علمي واضح. وكتب ورسائل ومؤلفات أئمة وعلماء الدعوة وأنصارها قد بينت مسألة التكفير والتفسيق وأعطت المسألة حقها في البيان الوافي والتفصيل التام، فيجب تحري الدقة في هذه المسألة والاحتياط في هذه القضية احتياطاً كاملاً. نعم: إن الإسلام يحرم على كل مسلم أن يرضى بالمنكر أو يسكت عليه، إلا أنه في الوقت نفسه يوجب عليه أن يسعى في تغييره بالوسيلة الممكنة الفعالة المنتجة، وبالأسلوب الحكيم الذي تدرؤ به المفاسد، وتحصل به المصالح، مع مراعاة الأولويات في ذلك، ولا بد – أيضا – من مراعاة الظروف بدقة وملاحظة الضوابط الشرعية في النقد والتوجيه – بعد التأكد من المخالفة الصريحة لما هو محل الاتفاق والإجماع – مع مراعاة التلطف والأدب. أما انحراف الفكر والبعد به عن القصد والتسرع بالنقد لمجرد الإشاعة أو لأمر تختلف فيه وجهات النظر لكونه موضع خلاف ومحل اجتهاد فليس من الأسلوب المفيد في تغيير المنكر؛ بل يعد تخبيطاً في الإصلاح وهو من عمل من لم ترسخ أقدامهم في العلم ولم يدركوا منهاج النبوة في الدعوة والمجادلة بالتي هي أحسن، يدفعهم إلى ذلك أمران رئيسيان: الأول: هو الجهل بالحق فيحكمون بالظن بلا علم.

والثاني: الهوى فيحكمون بالظلم ولا يتحرون العدل، مع المغالاة في التعصب للأشخاص بلا علم ولا عدل والمغالاة في التعصب في المسائل التي يسوغ فيها الاجتهاد مع البغي والعدوان على المخالف لهم. إنهم يظهرون ما كان في القدر مخبوءاً فتطوف، وغلو، وتشهير، وتكفير، وجهل، وعناد، وصلف، وإصرار ... !!

إنهم يعملون جاهدين على إفساد هذه البلاد بعد أن أصلحها الله بدعوة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم وجدد الدعوة فيها وحارب الفساد بعد أن عم وطم الشيخ محمد بن عبدالوهاب – رحمه الله -؛ بمؤازرة ومناصرة من أولياء الأمور من آل سعود وفقهم الله. وعلى هؤلاء أن يعلموا أن إفساد هذه البلاد بعد أن أصلحها الله يعتبر من أبشع الجرائم وأفظعها؛ ذلك أن إفسادها يعد إفساداً لكل البلاد الإسلامية لأن المسلمين يتأثرون دائماً ببلاد الحرمين حيث قبلتهم ومهوى أفئدتهم ومحط أنظارهم ومهبط رسالة ربهم الخاتمة، وما يكون فيها من خير أو غيره. لهذا كله يجب علينا أن نعني بالمنهج السلفي الذي يعني بالعلم والعمل، لا بالمراء والجدل والذي يتمثل في فهم خير قرون الأمة من الصحابة ومن تبعهم بإحسان لهداية القرآن وهدي النبوة.

ولعلي في هذه الرسالة أكون قد عالجت هذا الموضوع وأسهمت في جزء من شعب هذه القضية، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

أسأل الله – سبحانه وتعالى – أن يجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، إنه على كل شيء قدير. وأسأله – جل وعلا – أن يمنحنا جميعاً العلم النافع والعمل الصالح، وأن يزيدنا – وإياكم – توفيقاً وتسديداً، وأن يعفو عنا فيما أخطأنا فيه، أو زللنا، إنه سبحانه عفو غفور، تواب رحيم.

كما نسأل الله – جل وعلا – أن يوفق ولاة أمورنا، وأن يعينهم على تحكيم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يوفق علماء المسلمين ويسددهم ويعينهم وأن ينفع بالجميع العباد والبلاد. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين بإحسان.

<<  <  ج: ص:  >  >>