وليكن من المعلوم لكل مسلم جاد: أن هذا الدين لا يقوم بألف كتاب تكتب عن الإسلام ولا بالخطب والمواعظ ولا بأفلام الدعاية للإسلام، وإنما يقوم على واقع حي متحرك –يتمثل هذا في المسلمين الصادقين- واقع تراه العين وتلمسه اليد وتلاحظ آثاره العقول. ومن سمات أصحاب هذا الواقع الذي يغير مجرى حياة البشرية المعاصرة أن يستعلوا بأنفسهم من موالاة أعداء الله –سواء من الكافرين أو المنافقين أو الملحدين- فلا يخدعهم هيلمان الباطل المعاصر، وأن الشرق والغرب يملك القنبلة الذرية، والصواريخ العابرة للقارات بل يعلمون أن الله هو الأكبر، وهو الولي الناصر، وأن الغلبة للحق مهما استطال الباطل:(كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ)(سورة البقرة: ٢٤٩)، (وَإِنَّ جُندَنَا لَهُم الْغَالِبُونَ)(سورة الصافات: ١٧٣)، (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ)(سورة غافر: ٥١)، ويقول سبحانه في شأن الأعداء:(وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمْ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ)(سورة آل عمران: ١١١).
ولن يصل المسلمون الصادقون إلى هذه الدرجة الرفيعة إلا بالبراء من كل منهج وتشريع يخالف شريعة الله، والبراءة أيضاً من كل فكر يناقض هذه العقيدة التي كانت سبب نصرة وعزة السلف الصالح. واستمداد حكم كل صغيرة وكبيرة من هذه الشريعة الربانية التي هي صراط الله المستقيم الذي لا أمت فيه ولا عوج، وملّته الحنيفية التي لا ضيق فيها ولا حرج .. لم تأمر بشيء فيقول العقل لو نهت عنه لكان أوفق، ولم تنه عن شيء فيقول الحجى، لو أباحته لكان أرفق، بل أمرت بكل صلاح، ونهت عن كل فساد، وأباحت كل طيب، وحرمت كل خبيث، أوامرها غذاء ودواء، ونواهيها حمية وصيانة من كل داء، ظاهرها زينة لباطنها، وباطنها أجمل من ظاهرها. شعارها الصدق وقوامها الحق، وميزانها العدل وحكمها الفصل، لا حاجة بها البتّة إلى أن تكمل بسياسة ملك أو رأي ذي رأي. أكملها الله بقوله:(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً)(سورة المائدة: ٣).
وقال صلى الله عليه وسلم:(تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك).
وحريّ بدعاة الخير الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر أن يعودوا بالأمة إلى صفاء العقيدة الممثل في:
(١) تصحيح مفهوم لا إله إلا الله محمد رسول الله. ودعوة الناس إلى فهم هذه الكلمة العظيمة كما فهمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الأخيار، ومحو ذلك المفهوم الخاطيء الذي يردده المتأخرون وهي أنها مجرد لفظ عار من كل تكليف.
مع بيان أن من تكاليفها موالاة المؤمنين والبراءة من الكافرين، وتحكيم شريعة الله واتباع ما أنزله الله والكفر بالآلهة المزيفة والأرباب المتعددة من العرف والهوى والعادات والمتألهين الذين يشرعون للناس بغير ما أنزل الله.
(٢) تصحيح مفهوم العبادة وأنه مفهوم شامل كامل وليس مجرد شعائر تؤدى بينما نظام الحياة والممات قائم على مناهج وضعها البشر تفصل بين الدين والدولة، وبين الدين والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية.
فالعبادة هي عقيدة وشريعة ونظام حياة. قال تعالى:(قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٦٢) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (سورة الأنعام: ١٦٢ - ١٦٣).
(٣) تربية الجيل على منهاج الكتاب والسنة: لأن هذا هو الطريق الصحيح الذي به ترجع الأمة إلى ربها ودينها.