للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الإمام مالك رحمه الله: (لا تجوز الإجارات في شيءٍ من كتب الأهواء والبدع والتنجيم، وذكر كتباً، ثم قال: وكتب أهل الأهواء والبدع عند أصحابنا هي كتب أصحاب الكلام من المعتزلة وغيرهم، وتفسخ الإجارة في ذلك) (١).

وقال ابن خويز منداد -من أئمة المالكية-: (أهل الأهواء عند مالك وسائر أصحابنا هم أهل الكلام، فكل متكلم فهو من أهل الأهواء والبدع: أشعرياً كان، أو غير أشعري، ولا تقبل له شهادةً في الإسلام أبداً، ويُهجر ويؤدب على بدعته، فإن تمادى عليها استتيب منها) (٢).

وقال يونس بن عبد الأعلى: (سمعت الشافعي -يوم ناظره حفص الفرد- قال لي: يا أبا موسى لأن يلقى الله عز وجل العبد بكل ذنبٍ ما خلا الشرك، خيرٌ من أن يلقاه بشيءٍ من الكلام، لقد سمعت من حفص كلاماً لا أقدر أن أحكيه) (٣).

وأيضاً قال الشافعي رحمه الله: (حكمي في أصحاب الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال، ويحملوا على الإبل، ويُطافُ بهم في العشائر والقبائل؛ فينادى عليهم: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأخذ في الكلام) (٤).

وقال الإمام أحمد رحمه الله: (إنه لا يفلح صاحب كلامٍ أبداً، ولا تكاد ترى أحداً نظر في الكلام إلا وفي قلبه دغل) (٥).

وقال أبو محمد بن حزم رحمه الله: ( ... فلم يسع مسلماً يُقرُّ بالتوحيد أن يرجع عند التنازع إلى غير القرآن والخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أن يأبى عما وُجد فيهما، فإن فعل ذلك بعد قيام الحُجّة عليه فهو فاسق، وأما من فعله مستحلاً للخروج عن أمرهما، وموجباً لطاعة أحد دونهما فهو كافر لاشك عندنا في ذلك) (٦).

وقال رحمه الله -في موضعٍ آخر- عقب قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً) (النساء: ٦١) قال: (فليتق الله -الذي إليه المعاد- امرؤ على نفسه، ولتوجل نفسه عند قراءة هذه الآية، وليشتد إشفاقه من أن يكون مختاراً للدخول تحت هذه الصفة المذكورة المذمومة الموبقة الموجبة للنار، فإن من ناظر خصمه في مسألة من مسائل الديانة وأحكامها التي أمرنا بالتفقه فيها، فدعاه خصمه إلى ما أنزل الله تعالى وإلى كلام الرسول فصده عنهما، ودعاه إلى قياس، أو إلى قول فلان وفلان، فليعلم أن الله عزَّ وجل قد سماه منافقاً. نعوذ بالله من هذه المنزلة المهلكة) (٧).

حكم الاثنين وسبعين فرقة:

اختلف الناس في تكفير أصحاب الفرق العظمى: الخوارج والشيعة والمرجئة والجهمية، والذي يقوى في النظر، وبحسب الأثر عدم القطع بتكفيرهم، ويدل عليه عمل السلف الصالح فيهم (٨):

فمعاملة علي رضي الله عنه للخوارج مشهورةٌ، حيث امتنع عن تكفيرهم، وقاتلهم مقاتلة البغاة، لا الكفار (٩).


(١) جامع بيان العلم ٢/ ١١٧.
(٢) جامع بيان العلم ٢/ ١١٧.
(٣) جامع بيان العلم ٢/ ١١٦.
(٤) شرف أصحاب الحديث ص: ٧٨ برقم: ١٦٨، وتحريم النظر ص: ١٧.
(٥) جامع بيان العلم ٢/ ١١٦، وتحريم النظر ص: ١٧.
(٦) الإحكام ١/ ١١٠.
(٧) الإحكام ١/ ١١٣.
(٨) انظر: الاعتصام ٢/ ١٨٥ - ١٨٦، ١٩٨، ٢٠٢، وانظر: مسألة في تكفير أهل البدع أم هم كأهل الكبائر (ضمن ثلاث وثائق في محاربة الأهواء والبدع في الأندلس، مستخرجة من مخطوط الأحكام الكبرى للقاضي أبي الأصبغ عيسى بن سهل الأندلسي) ص: ٣٣، ٣٤ تحقي: د/محمد عبد الوهاب خلاف -المركز العربي الدولي للإعلام، المطبعة العربية الحديثة- الطبعة الأولى ١٩٨١م - مصر، وإيثار الحق ص: ٤١٦.
(٩) انظر: إيثار الحق ص: ٤٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>