للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

همهم -بزعمهم- عبادة الله لذاته، لا طمعًا في جنته ولا خوفًا من ناره، وجعلوا ذروة المحبة الفناء (١) في المحبوب؛ ولهذا قال فيهم السلف: من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق (٢). وأفضى بهم هذا إلى احتقار الجنة والنار، واحتقار مقام الأنبياء، بل اعتقاد الحلول (٣) والوحدة (٤) عياذًا بالله.

ومن الناحية العملية وضعوا قاعدة: (المحبة نار في القلب تحرق ما سوى المحبوب)، واتخذوها ذريعة للتنصل من التعبدات التي تشغلهم عن المحبوب -بزعمهم- كالاشتغال بجهاد أعدائه وتعلم دينه وتعليمه ونشر دعوته بين العالمين.

وضلوا في التوكل فجعلوه سلبية مطلقة، وتواكلًا رخيصًا، وتسولًا للمعطين، وتعمدًا لإلحاق الضرر بالنفس، وتركًا للأسباب المشروعة، بل تركًا لأعظم التعبدات


(١) والفناء عند الصوفية هو فناء عن وجود ما سوى الله، وبهذا يصير المخلوق هو عين الخالق، وهو قول أهل وحدة الوجود، وأن كل موجود هو الله.
ينظر: مجموع الفتاوى (٢/ ٣٤٣)، عقيدة الصوفية وحدة الوجود الخفية (٦٤) للدكتور أحمد القصير، مكتبة الرشد، ط ١، ٢٤٢٤ هـ.
(٢) نسبه في إحياء علوم الدين (٤/ ١٦٦) إلى مكحول الدمشقي، ونقله ابن تيمية في عدة مواضع من كتبه عن بعض السلف، ولم يصرح باسم قائله، ينظر: مجموع الفتاوى (١٠/ ٨١، ٢٠٧، ١١/ ٣٩٠، ١٥/ ٢١).
والزنديق: مرادف للمنافق في عصر النبوة، وهو من يبطن الكفر ويظهر الإسلام.
ينظر: المغني (٦/ ٣٧٠) لابن قدامة المقدسي، مكتبة القاهرة، ط: عام ١٣٨٨ هـ، الصارم المسلول على شاتم الرسول (٣٦١) لابن تيمية، ت: محمد محيي الدين عبد الحميد، طبعة الحرس الوطني السعودية.
(٣) وهو أن يحل الخالق في المخلوق، ويمتزج به امتزاجًا كاملًا بحيث تتلاشى الذات الإنسانية في الذات الإلهية، وهو كقول النصارى، وغلاة الروافض، وغلاة التصوف كأتباع الحلاج، ويدخل في ذلك ما يسمى بوحدة الوجود، وأن ما في الوجود هو الله.
ينظر: مجموع الفتاوى (١٠/ ٥٩، ١٥/ ٤٢٣)، نظرية الاتصال عند الصوفية في ضوء الإسلام (٣٥) لسارة بنت عبد المحسن آل سعود، دار المنارة جدة، ط ١، ١٤١١ هـ، عقيدة الصوفية وحدة الوجود الخفية (٤٥).
(٤) يقصد بها وحدة الوجود عند ذكر معنى الفناء؛ لأنهما عند أهل التصوف بمعنى واحد.

<<  <   >  >>