للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والله يصرح بأن العقل في القلب، ولا شكَّ أن الذي خلق نور العقل وجعله في العبد ونوَّره به هو أعلم بالموضع الذي وضعه فيه … فالذي يقول: ليس الفقه في القلوب كالذي يقول: ليس الإبصار بالعيون، وليس السماع بالآذان؛ لأن الله قال: {قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا} {أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا} {آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا}، فدلَّ على أن الإبصار بالعين، والسماع بالأذن، والفقه بالقلب.

وهذا أمر معروف لا تكاد تحصَى الآيات الدالة عليه في القرآن" (١).

الدليل الخامس والسادس: قوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: ١٤]، وقوله تعالى: {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [المجادلة: ٢٢].

و {كَتَبَ} أي: ثبّت الإيمان في قلوبهم وغرسه غرسًا، لا تؤثر فيه الشبه والشكوك، وذكر القلوب لأنها موضع الإيمان (٢).

وذكر الشنقيطي رحمه الله في تعليقه على الآيتين السابقتين كلامًا مؤداه: أن الآيتين صريحتان في أن الموضع الذي يدخله الإيمان من المؤمن وينتفي دخوله فيه من الكافر هو القلب لا الدماغ؛ لأن أساس الإيمان إيمان القلب، والجوارح تبع له، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: «أَلَا وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً؛ إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ


(١) العذب النمير (٤/ ٣٤٧ - ٣٤٨) مع بعض الاختصار والتصرف اليسير.
(٢) ينظر: تفسير البغوي (٨/ ٦٣) ت: محمد عبد الله النمر وعثمان جمعة ضميرية وسليمان مسلم الحرش، دار طيبة، ط ٤، ١٤١٧ هـ، تفسير السعدي (٨٤٨) ت: عبد الرحمن بن معلا اللويحق، مؤسسة الرسالة، ط ١، ١٤٢٠ هـ.

<<  <   >  >>