للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن هاتين الآيتين يتضح اتصال العقل بالقلب، وأن محله في القلب، فكم من صاحب عقل عظيم وقدرات عقلية كبيرة، لكنه لما طُمِس على قلبه بسبب ضلاله لم ينفعه عقله الكبير -نسأل الله العافية من الخذلان-، تجده يعبد الأوثان من البقر والحجر المنحوت على شكل إنسان أو غيره، أو يدعو صاحب قبر ويطلب منه ما لا يُطلَبُ إلا من الله، ولديه أعلى الشهادات العلمية، والكثير من براءات الاختراع، لكن هذا العقل الكبير الذي طمس على قلب صاحبه لم ينتفع به فيترك عبادة المخلوق، ويتوجه إلى عبادة الخالق المستحق للعبادة -سبحانه وتعالى-، وقال تعالى عنهم وعن أمثالهم: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: ٤٠]، وهؤلاء ما ظلمهم الله ولكن ظلموا أنفسهم؛ ببعدهم عن الحق واتباع شياطين الإنس والجن، فصار علمهم الواسع في الدنيا، وأما الآخرة فقد غفلوا عنها، كما قال تعالى عنهم: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم: ٧].

الدليل التاسع: قوله -صلى الله عليه وسلم-: «أَلَا وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً؛ إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ القَلْبُ».

قال المازري (١) رحمه الله في بيان وجه الاستدلال بهذا الحديث على أن العقل في


(١) الشيخ الإمام الفقيه محمد بن علي بن عمر التيمي المازري، الفقيه المالكي، أحد الأعلام، كان من كبار أئمة زمانه، وآخر المشتغلين من شيوخ إفريقية بتحقيق الفقه ورتبة الاجتهاد ودقة النظر، له تآليف تدل على إمامته منها: كتاب المعلم بفوائد مسلم، وكتابٌ في الرد على الإحياء لأبي حامد الغزالي سماه: الكشف والإنباء عن كتاب الإحياء، وكتاب التعليقة على المدونة وغيرها، إلا أن مما يؤاخذ على المازري رحمه الله تعالى أشعريته الواضحة، وكتابه المعلم بفوائد مسلم خير دليل على ذلك، وتوفي رحمه الله سنة (٥٣٦ هـ).
ينظر: وفيات الأعيان (٤/ ٢٨٥) لابن خلكان، ت: إحسان عباس، دار صادر بيروت، ط ١٩، ١٩٧١، ١٩٩٤ م، سير أعلام النبلاء (٢٠/ ١٠٤)، موسوعة مواقف السلف (٧/ ١١٥).

<<  <   >  >>