للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال رحمه الله: "وفي هذا الحديث من الفقه والفضائل الحض على الإنفاق في سبيل الخير، والحرص على الصوم.

وفيه أن أعمال البر لا يفتح في الأغلب للإنسان الواحد في جميعها، وأن من فتح له في شيء منها حرم غيرها في الأغلب، وأنه قد تفتح في جميعها للقليل من الناس، وأن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- من ذلك القليل.

وفيه أن من أكثر من شيء عرف به ونسب إليه، ألا ترى إلى قوله: فمن كان من أهل الصلاة، يريد من أكثر منها فنسب إليها؛ لأن الجميع من أهل الصلاة، وكذلك من أكثر من الجهاد ومن الصيام على هذا المعنى ونسب إليه، دعي من بابه ذلك، والله أعلم.

ومما يشبه ما ذكرنا ما جاوب به مالك (١) رحمه الله العُمري العابد، وذلك أن عبد الله بن عبد العزيز العُمري (٢) العابد كتب إلى مالك يحضّه إلى الانفراد والعمل، ويرغب به عن الاجتماع إليه في العلم، فكتب إليه مالك: إن الله -عز وجل- قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، فرب رجل فتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصيام، وآخر فتح له في الجهاد ولم يفتح له في الصلاة، ونشر العلم وتعليمه من أفضل أعمال البر، وقد رضيت بما فتح الله لي فيه من ذلك،


(١) أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك الأصبحي، إمام دار الهجرة، وأحد أئمة المذاهب المتبوعة. قال أبو حاتم: مالك ثقة، وهو إمام أهل الحجاز، وقال الشافعي: إذا جاء الأثر فمالك النجم، وقال: أيضًا لولا مالك وسفيان يعني ابن عيينة، لذهب علم الحجاز. يقول عن نفسه: ما أفتيت حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك. توفي رحمه الله سنة (١٧٩ هـ).
ينظر: وفيات الأعيان (٤/ ١٣٥)، سير أعلام النبلاء (٨/ ٤٨)، البداية والنهاية (١٠/ ١٧٤).
(٢) الإمام، القدوة، الزاهد، العابد، أبو عبد الرحمن عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله العُمري، وهو قليل الرواية، مشتغل بنفسه، قوال بالحق، أمار بالعرف، لا تأخذه في الله لومة لائم. توفي رحمه الله سنة (١٨٤ هـ).
ينظر: سير أعلام النبلاء (٨/ ٣٧٣)، الوافي بالوفيات (١٧/ ١٥٧)، البداية والنهاية (١٣/ ٦٢٨).

<<  <   >  >>