للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من طلب المنزلة في قلوب الناس اضطر أن ينافقهم بإظهار ما هو خال عنه، ويجر ذلك إلى المراءاة بالعبادات، واقتحام المحظورات، والتوصل إلى اقتناص القلوب" (١).

آثار التطلع للرياسة للمكاسب الدنيوية على الداعية (٢):

وقد سبق بعض الآثار، وأضيف إليه الآتي:

١ - من طلب العلم لأجل الشرف في الدنيا حَرَمَه الله رائحة الجنة، كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللهِ، لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا، لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» يَعْنِي رِيحَهَا (٣).

قال ابن رجب رحمه الله في تعليقه على الحديث: "وسبب هذا -والله أعلم- أن في الدنيا جنة معجلة، وهي معرفة الله ومحبته، والأنس به والشوق إلى لقائه، وخشيته وطاعته، والعلم النافع يدل على ذلك، فمن دله علمه على دخول هذه الجنة المعجلة في الدنيا دخل الجنة في الآخرة، ومن لم يشم رائحتها لم يشم رائحة الجنة في الآخرة.

ولهذا كان أشد الناس عذابًا في الآخرة عالم لم ينفعه الله بعلمه، وهو أشد الناس حسرة يوم القيامة، حيث كان معه آلة يتوصل بها إلى أعلى الدرجات وأرفع المقامات، فلم يستعملها إلا في التوصل إلى أخس الأمور وأدناها وأحقرها، فهو كمن كان معه جواهر نفيسة لها قيمة، فباعها ببعر أو شيء مستقذر لا ينتفع به، بل حال من


(١) مختصر منهاج القاصدين (٢١١).
(٢) ينظر في ذلك: مجموع رسائل ابن رجب (١/ ٧٩، ٩١، ٩٥).
(٣) أخرجه أحمد (١٤/ ١٦٩) ح (٨٤٥٧)، وأبو داود في كتاب العلم، باب في طلب العلم لغير الله تعالى (٣/ ٣٢٣) ح (٣٦٦٤)، وابن ماجه في كتاب الإيمان وفضائل الصحابة والعلم، باب الانتفاع بالعلم والعمل به (١/ ٩٢) ح (٢٥٢)، والحاكم في المستدرك في كتاب العلم (١/ ١٦٠) ح (٢٨٨) وصححه ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح الجامع (٢/ ١٠٦٠) ح (٦١٥٩)، وقال في صحيح الترغيب والترهيب (١/ ١٥٣) ح (١٠٥): "صحيح لغيره"، وحسن إسناده شعيب الأرناؤوط في تحقيقه لمسند أحمد (١٤/ ١٦٩) ح (٨٤٥٧).

<<  <   >  >>