للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ج) قوله تعالى: {الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء: ٤٩]. فمن صفات من يخشون الله بالغيب إشفاقهم من الساعة، وذلك بخوف قلوبهم ووجلها.

قال السعدي رحمه الله: "فقال: {الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ} أي: يخشونه في حال غيبتهم، وعدم مشاهدة الناس لهم، فمع المشاهدة أولى، فيتورعون عما حرم، ويقومون بما ألزم، {وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ} أي: خائفون وجلون؛ لكمال معرفتهم بربهم، فجمعوا بين الإحسان والخوف" (١).

ولهذا كانت العقوبة عظيمة تنخلع منها القلوب لمن ضعف في قلبه خشية الله بالغيب، فقال -صلى الله عليه وسلم-: «لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ -عز وجل- هَبَاءً مَنْثُورًا»، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا؛ أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ، قَالَ: «أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا» (٢).

وإن مما يجعل القلب يخشى الله بالغيب: استحضار مراقبة الله له، واطلاعه عليه، وأن الله يسمعه ويراه، عليم بسره ونجواه، يقول تعالى: {أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} [البقرة: ٧٧]، وقال -سبحانه وتعالى-: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ


(١) تفسير السعدي (٥٢٥).
(٢) أخرجه ابن ماجه في كتاب الزهد، باب ذكر الذنوب (٢/ ١٤١٨) ح (٤٢٤٥)، وقال المنذري في الترغيب والترهيب، ت: إبراهيم شمس الدين، دار الكتب العلمية، ط ١، ١٤١٧ هـ، كتاب الحدود وغيرها، الترغيب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (٣/ ١٧٠) ح (٣٥٣٤): "رواه ابن ماجه ورواته ثقات"، وقال البوصيري في زوائد ابن ماجه، ت: محمد الكشناوي، دار العربية بيروت، ط ٢، ١٤٠٣ هـ، كتاب الزهد، باب ذكر الذنوب (٤/ ٢٤٦) ح (١٥٢٥): "هذا إسناد صحيح رجاله ثقات"، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (٢/ ٥٩١) ح (٢٣٤٦)، وحسن إسناده شعيب الأرناؤوط في تحقيقه لسنن ابن ماجه (٥/ ٣١٧) ح (٤٢٤٥).

<<  <   >  >>