للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذنوب، ندمًا وإقلاعًا، وعزمًا على عدم المعاودة، {وَأَصْلَحُوا} ما فسد من أعمالهم، فلا يكفي ترك القبيح حتى يحصل فعل الحسن.

ولا يكفي ذلك في الكاتم أيضًا، حتى يبين ما كتمه، ويبدي ضد ما أخفى، فهذا يتوب الله عليه؛ لأن توبة الله غير محجوب عنها، فمن أتى بسبب التوبة تاب الله عليه؛ لأنه {التَّوَّابُ} أي: الرجاع على عباده بالعفو والصفح بعد الذنب إذا تابوا، وبالإحسان والنعم بعد المنع إذا رجعوا، {الرَّحِيمُ} الذي اتصف بالرحمة العظيمة، التي وسعت كل شيء، ومن رحمته أن وفقهم للتوبة والإنابة فتابوا وأنابوا، ثم رحمهم بأن قبل ذلك منهم، لطفًا وكرمًا" (١).

وقال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران: ١٨٧].

قال السعدي رحمه الله: "الميثاق هو العهد الثقيل المؤكد، وهذا الميثاق أخذه الله تعالى على كل من أعطاه الله الكتب وعلمه العلم، أن يبين للناس ما يحتاجون إليه مما علمه الله، ولا يكتمهم ذلك، ويبخل عليهم به، خصوصًا إذا سألوه، أو وقع ما يوجب ذلك، فإن كل من عنده علم يجب عليه في تلك الحال أن يبينه، ويوضح الحق من الباطل.

فأما الموفقون، فقاموا بهذا أتم القيام، وعلموا الناس مما علمهم الله؛ ابتغاء مرضاة ربهم، وشفقة على الخلق، وخوفًا من إثم الكتمان.

وأما الذين أوتوا الكتاب، من اليهود والنصارى ومن شابههم، فنبذوا هذه العهود والمواثيق وراء ظهورهم، فلم يعبؤوا بها، فكتموا الحق، وأظهروا الباطل، تجرُّؤًا على محارم


(١) تفسير السعدي (٧٧).

<<  <   >  >>