للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عوسجة [١] إلى جانب الخيمة، فأصبحنا وهي كأعظم دوحة [٢] ، وجاءت بثمر كأعظم ما يكون في لون الورس [٣] ورائحة العنبر، وطعم الشّهد، ما أكل منها جائع إلا شبع، ولا ظمآن إلا روي، ولا سقيم إلا برئ، ولا أكل من ورقها بعير ولا شاة إلا ودرّ لبنها، فكنّا نسمّيها المباركة، وكان من البوادي [٤] من يستشفي بها ويتزود منها، حتى أصبحنا ذات يوم وقد تساقط ثمرها، واصفرّ ورقها ففزعنا، فما راعنا إلا نعي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إنها بعد ثلاثين سنة أصبحت ذات شوك من أسفلها إلى أعلاها، وتساقط ثمرها، وذهبت نضارتها، فما شعرنا إلا بمقتل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، فما أثمرت بعد ذلك اليوم، فكنّا ننتفع بورقها، ثم أصبحنا وإذا بها قد نبع من ساقها دم عبيط، وقد ذبل ورقها، فبينا نحن فزعين مهمومين إذ أتانا خبر مقتل الحسين، ويبست الشجرة على أثر ذلك وذهبت.

والعجب كيف لم يشتهر أمر هذه الشجرة كما اشتهر أمر الشاة في قصة هي من أعلام القصص انتهى [٥] .


[١] العوسجة: الشوك.
[٢] الدوحة: الشجرة العظيمة.
[٣] الورس: نبت أصفر يكون باليمن تتخذ منه الغمرة للوجه. «لسان العرب» ، «ورس» (٦/ ٤٨١٢) .
[٤] في الأصل: «وكان من البواد» بدون الياء، وما أثبتناه من المطبوع.
[٥] قال الحافظ ابن حجر في «الإصابة» (١٣/ ٢٩٢) : وذكر عمر بن شبة في «كتاب مكة» من طريق عبد العزيز بن عمران أنها أتت أم معبد بنت الأشعر، وذكر لها قصة مع سراقة بن جعشم.
أقول: وعبد العزيز بن عمران بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، الأعرج، يعرف بابن أبي ثابت، متروك احترقت كتبه، فحدّث من حفظه فاشتد غلطه، وكان عارفا بالأنساب، ولم يكن من أصحاب الحديث، وليس حديثه بشيء، وقال ابن حبان: يروي المناكير عن المشاهير. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، منكر الحديث جدا، وقال عمر بن شبة في أخبار المدينة: كان كثير الغلط في حديثه لأنه احترقت كتبه، فكان يحدث من حفظه. انظر «تقريب التهذيب» (١/ ٥١١) ، و «تهذيب التهذيب» (٦/ ٣٥١) (ع) .

<<  <  ج: ص:  >  >>