طامحا للمراتب العليا، ولما رحل إلى الأندلس اهتزّ له سلطانها، وأركب خاصّته لتلقّيه، وأجلسه في مجلسه.
قال لسان الدين ابن الخطيب عنه في «الإحاطة» : رجل فاضل، جمّ الفضائل، رفيع القدر، أسيل المجد، وقور المجلس، عالي الهمّة، قويّ الجأش، متقدّم في فنون عقلية ونقلية، كثير الحفظ، صحيح التصوّر، بارع الخط، حسن العشرة، فخر من مفاخر العرب.
قلت: وقد قامت شهرة ابن خلدون على تاريخه المعروف ب «العبر وديوان المبتدإ والخبر» ، وهو مطبوع في مصر في سبعة مجلدات بما في ذلك «المقدمة» التي تعدّ- كما يقول الزركلي- من أصول علم الاجتماع، وقد نقلت هي وأجزاء من الكتاب إلى اللغة الفرنسية، وغيرها، واشتهرت شهرة كبيرة بين المتعلمين من المسلمين منذ عصر ابن خلدون وحتى أيامنا، حتى إنه تكاد لا تخلو منها مكتبة أيّ باحث أو مثقف في ربوع أقطار أمتنا العظيمة، وفي مواطن الاستشراق أيضا.
٣٨- ابن ناصر الدّين
هو محمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن مجاهد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن علي القيسي الدمشقي، الشهير بابن ناصر الدين، الإمام الحافظ المؤرّخ الأديب، صاحب «توضيح المشتبه» و «الردّ الوافر» ، و «بواعث الفكرة في حوادث الهجرة» ، وغير ذلك من المصنفات النافعة المفيدة.
ولد بدمشق في أواسط المحرم من سنة سبع وسبعين وسبعمائة، وبها نشأ وحفظ القرآن العزيز، وعدة متون، وسمع الحديث في صغره من الحافظ أبي بكر بن المحب، وسمع من خلق منهم بدر الدّين بن قوّام، ومحمد بن عوض، والعزّ الأبناسي، وابن غشم المرداوي، وغيرهم.
ومهر في الحديث، وكتب وخرّج، وعرف العالي والنازل، وخرّج لنفسه ولغيره، وصار حافظ الشام في عصره بلا منازع.