اللهمّ سلّمنا منهم. فقعدوا، ثم قالوا: حدّثنا- رحمك الله- قال: ليس أنا ممّن يحدّث، إنما هذه الأوضاع، فمن أحبّ؟ قالوا له: ما يحلّ لك هذا، فحدّثنا بما عندك عن إسحاق بن راهويه، فإنه لا نجد فيه إلا طبقتك، وأنت عندنا أوثق.
قال: لست أحدّث. ثم قال لهم: تسألوني أن أحدّث وببغداد ثمان مائة محدّث، كلهم مثل مشايخي!، لست أفعل. فلم يحدّثهم بشيء.
وكان موته فجاءة، وذلك سنة ست وسبعين ومائتين، وقيل: إنه أكل هريسة، فأصابته حرارة، فصاح صيحة شديدة ثم أغمي عليه، ثم أفاق، فما زال يتشهد حتى مات.
قلت: وقد قامت شهرة ابن قتيبة على مجموعة من كتبه، ومن أهمها الكتب المنوّه عنها في صدر الترجمة. وقد طبع الأول منها مرتين، الأولى بعناية الأستاذ محمد إسماعيل عبد الله الصاوي، وهي طبعة تجارية تفتقر إلى التحقيق والضبط والتصحيح. والثانية بتحقيق وتقديم الأستاذ الدكتور ثروة عكاشة، وهي طبعة جيدة. وطبع الثاني في دار الكتب المصرية، وهي طبع جيدة، ولكنها تفتقر إلى المزيد من الخدمة والتحقيق. وطبع الثالث منها عدة مرات، أفضلها التي صدرت عن مؤسسة الرسالة في بيروت بتحقيق الأستاذ محمد أحمد الدالي.
٨- الفسوي
هو يعقوب بن سفيان بن جوان الفسوي، أبو يوسف، أحد الأئمة الكبار، محدّث بلاد فارس في عصره. صاحب «المعرفة والتاريخ» ، و «المشيخة» .
ولد في حدود سنة تسعين ومائة في دولة الرشيد ببلدة فسا [١] ، وهي
[١] قال ياقوت: فسا: بالفتح والقصر، كلمة أعجمية، وعندهم «بسا» بالباء، وهكذا يتلفظون بها، وأصلها في كلامهم: الشمال من الرياح [وهي] مدينة بفارس أنزه مدينة بها فيما قيل، بينها وبين شيراز أربع مراحل. «معجم البلدان» (٤/ ٢٦٠- ٢٦١) . ومن هنا نعت صاحب الترجمة عند بعض العلماء ب «البسوي» .