هو عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن خلدون الحضرمي الإشبيلي، أبو زيد، فيلسوف التاريخ الإسلامي، والعالم المحقّق الكبير، وأحد نوادر الدهر علما وثقافة وتحصيلا وذكاء، صاحب «التاريخ» الذي اشتهرت منه «المقدمة» شهرة لم تكتب إلا للقلّة من المصنفات الإسلامية في جميع العصور، حتى دعي بصاحب «المقدمة» أو دعيت هي ب «مقدمة ابن خلدون» وكأنه لم يصنّف غيرها.
ولد في تونس وذلك يوم الأربعاء أول شهر رمضان سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة.
وفي تونس نشأ ابن خلدون، وأخذ العلم عن جمهرة من علمائها، فقد سمع من العالم الفاضل شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن جابر، المعروف ب الوادي آشي صاحب «البرنامج» المتوفى سنة (٧٤٦) هـ.
وقرأ القرآن على عبد الله بن سعد بن نزال إفرادا وجمعا، وأخذ العربية عن أبيه، وأبي عبد الله السايري، وغيرهما، وأخذ الفقه عن قاضي الجماعة ابن عبد السلام، وغيره، وأخذ عن عبد المهيمن الحضرمي، ومحمد بن إبراهيم الإربلي شيخ المعقول بالمغرب، وبرع في العلوم، وتقدم في الفنون، ومهر في الأدب والكتابة، وولي كتابة السر بمدينة فاس لأبي عنان، ولأخيه أبي سالم، ثم تنقل في البلاد متقلدا مناصب مختلفة، ثم رجع إلى تونس فأكرمه سلطانها، ثم حاول نفر من الناس الإساءة إليه عن طريق تأليب السلطان عليه، فعلم بالأمر، فما كان منه إلا أن رحل إلى المشرق، فحطّت به رحاله في القاهرة، فأكرمه سلطان مصر في ذلك العصر السلطان برقوق، وولي قضاء المالكية فيها، ثم عزل، وولي مشيخة المدرسة البيبرسية، ثم عزل عنها أيضا، ثم ولي القضاء مرارا، آخرها في رمضان من سنة ثمان وثمانمائة، فباشره ثمانية أيام، فأدركه أجله، ولم يتزيّ بزيّ القضاة في مصر، محتفظا بزيّ بلاده.
وكان فصيحا، جميل الصورة، عاقلا، صادق اللهجة، عزوفا عن الضيم،