فيها سار أسد الدّين سيره الثالث إلى مصر، وذلك أن الفرنج قصدوا الدّيار المصرية وملكوا بلبيس واستباحوها، ثم حاصروا القاهرة، وأخذوا كلّ ما كان خارج السور. فبذل شاور لملك الفرنج مرّي ألف ألف دينار ويعجّل له بعضها. فأجاب، فحمل إليه مائة ألف دينار، وكاتب نور الدّين واستصرخ به وسوّد كتابه، وجعل في طيّه ذوائب نساء القصر، وواصل الكتب يستحثّه، وكان بحلب، فساق إليه أسد الدّين من حمص، فأخذ يجمع العساكر، ثم توجّه في عسكر لجب، يقال كانوا سبعين ألفا من بين فارس وراجل، فتقهقر الفرنج، ودخلوا القاهرة في ربيع الآخر، وجلس أسد الدّين في دست الملك [١] ، وخلع عليه العاضد خلع السلطنة، وعهد إليه بوزارته، وقبض على شاور، فأرسل إليه العاضد يطلب رأس شاور، فقطع وأرسل إليه، فلم ينشب [أن مات] أسد الدّين شيركوه- ومعناه بالعربي الجبل- بن شادي بن مروان الملك المنصور بعد شهرين. أقام في الوزارة شهرين وأياما، وكان أحد الأبطال، يضرب بشجاعته المثل، وكان الفرنج يهابونه، ولقد حاصروه ببلبيس ولها سور، فلم يجسروا أن يناجزوه خوفا منه، وكان كثير الأكل للحوم الغليظة، فكانت تورث عليه التخم والخوانيق، فاعتراه خانوق فمات منه فجأة، ودفن بظاهر القاهرة إلى أن توفي أخوه نجم الدّين أيوب، فحملا جميعا إلى مدينة النّبيّ- صلى الله عليه وسلم-
[١] في «ط» : «الحكم» وما أثبته من «آ» و «العبر» (٤/ ١٨٥) وما بين حاصرتين زيادة منه.