للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما قال. فقام ذلك الإنسان، وغلا في القول، ودخل في بيعته ومذهبه، واستقر ملكه في صنعاء، وولّى حصون اليمن غير أهلها، وحلف أن لا يولّي تهامة إلّا من وزن له مائة ألف دينار، فوزنتها زوجته أسماء بنت شهاب عن أخيها سعد بن شهاب، فولّاه، وقال: يا مولاتنا! أَنَّى لَكِ هذا؟ قالَتْ: هُوَ من عِنْدِ الله، إِنَّ الله يَرْزُقُ من يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ ٣: ٣٧ [١] ، فتبسم وقال: هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا ١٢: ٦٥.

وعزم على الحجّ في سنة ثلاث وسبعين في ألف فارس، منهم من آل الصّليحي مائة وستون شخصا، واستخلف ولده أحمد المكّرم، فننزل بقرب المهجم بضيعة تسمى أمّ البهم، وبئر أمّ معبد، فهجمه سعيد الأحول بن نجاح، الذي كان قتله بالسم، ولم يشعر عسكره ونواحي جيشه إلّا وقد قتل، فانزعروا [٢] وفزعوا، وكان أصحاب الأحول سبعين رجلا رجالة، بيد كل واحد منهم جريدة في رأسها مسمار حديد، وتركوا جادة الطريق وسلكوا الساحل، فوصلوا في ثلاثة أيام، وكان الصّليحي قد سمع بهم وأرصد لهم نحو خمسة آلاف من الحبشة، فاختلف طريقهم، ولما رآهم الصّليحيّ مع ما هم فيه من التعب والجوع والحفاء، ظنّ أنهم من جملة عسكره، فقال له أخوه: اركب فهذا والله الأحول، فلم يبرح الصّليحيّ من مكانه، حتّى وصل إليه الأحول، فقتله وقتل أخاه وسائر الصّليحيين، وصالح بقية العسكر، وقال: إنما أخذت بثأري، ثم رفع رأس الصّليحيّ على رأس عود المظلّة، وقرأ القارئ:

قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ من تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ ٣: ٢٦ الآية [آل عمران: ٢٦] ورجع الأحول إلى زبيد سالما غانما.


[١] قلت: وذلك أيضا اقتباس من سورة آل عمران، الآية (٣٧) أثناء ذكر قصة مريم بنت عمران عليها السلام.
[٢] «انزعروا» : أي تفرّقوا. نقول: زعر الشّعر والريش والوبر زعرا: قلّ وتفرّق حتى يبدو الجلد.
ويقال: زعر المكان: إذا كان قليل النبات، متفرّقه. انظر «لسان العرب» (زعر) .

<<  <  ج: ص:  >  >>