للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن لا ترضعه من غيرها، فأرضعته يوما جارة لهم، فاجتهد الشيخ في تقييئها، حتّى تقايأها، وكان ربما لحقته فترة بعد إمامته، فيقول: لعل هذه من بقايا تلك الرضعة، ولما مات لحق الناس عليه ما لا يعهد لغيره، وغلقت أبواب البلد، وكشفت الرؤوس، حتّى ما اجترأ أحد من الأعيان يغطي رأسه، وصلى عليه ولده أبو القاسم بعد جهد عظيم من الزحام، ودفن في داره بنيسابور، ثم نقل بعد سنين إلى مقبرة الحسين، وكسر منبره في الجامع، وقعد الناس للعزاء أياما، وكان طلبته نحو أربعمائة يطوفون في البلد نائحين عليه، وكان عمره تسعا وخمسين سنة، وآثاره في الدّين باقية، وإن انقطع نسله ظاهرا، فنشر علمه يقوم مقام كل نسب.

ومن كلامه في كتابه «الرسالة النظامية» [١] : اختلفت مسالك العلماء في هذه الظواهر، فرأى بعضهم تأويلها، والتزم ذلك في آي الكتاب، وما يصحّ من السنن، وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل، وإجراء الظواهر على مواردها، وتفويض معانيها إلى الربّ. قال:

والذي نرتضيه رأيا، وندين لله [٢] به عقدا، اتباع سلف الأمة، والدليل السمعيّ القاطع في ذلك أن إجماع الأمة حجّة متبعة، وهو مستند الشريعة، وقد درج صحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على ترك التعرّض لمعانيها، ودرك ما فيها، وهم صفوة الإسلام، والمستقلون بأعباء الشريعة، وكانوا لا يألون جهدا في ضبط قواعد الملّة، والتواصي بحفظها، وتعليم الناس ما يحتاجون إليه منها، فلو كان تأويل هذه الظواهر مشروعا أو محتوما، لأوشك أن يكون اهتمامهم بها فوق اهتمامهم بفروع الشريعة، وإذا انصرم عصرهم على الإضراب عن التأويل، كان ذلك هو الوجه المتبع، فحق على كل ذي دين أن يعتقد تنزيه الباري عن


[١] وتسمى أيضا «العقيدة النظامية» وقد طبعت في القاهرة بتحقيق العلّامة الشيخ محمد زاهد الكوثري عام (١٣٦٧) هـ-، ولكنها ليست بمتناول يدي.
[٢] في «ط» : «وندين الله» .

<<  <  ج: ص:  >  >>