للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لذهاب هذه الجارحة من بدني، ولكن تأسفي لصوت المظلوم لا أسمعه فأغيثه [١] ثم قال: إن كان ذهب سمعي فما ذهب بصري، فليؤمر كل ذي ظلامة أن يلبس الأحمر حتّى، إذا رأيته عرفته فأنصفته [٢] . وهذا أنوشروان، قال له رسول الرّوم: لقد أقدرت عدوك عليك بتسهيل الوصول إليك، فقال:

إنما أجلس هذا المجلس لأكشف ظلامة، وأقضي حاجة. وأنت يا صدر الإسلام أحق بهذه المأثره، وأولى بهذه وأحرى، فأعدّ جوابا [٣] لتلك المسألة، فإن السائل الله تعالى، الذي تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ ١٩: ٩٠ [مريم: ٩٠] في موقف ما فيه إلّا خاشع، أو خاضع، أو مقنع، فينخلع فيه القلب، ويحكم فيه الرّب، ويعظم فيه الكرب، ويشيب فيه الصغير، ويعزل فيه الملك والوزير، يوم يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى ٨٩: ٢٣ [الفجر: ٢٣] يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ من خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ من سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً ٣: ٣٠ [آل عمران: ٣٠] . وقد استجلبت لك الدعاء، وخلدت لك الثناء، مع براءتي من التهمة، فليس لي- بحمد الله تعالى- في أرض الله ضيعة ولا قرية، ولا بيني وبين أحد خصومة، ولا بي بحمد الله فقر ولا فاقة.

فلما سمع، نظام الملك هذه الموعظة بكى بكاء شديدا، وأمر له بمائة دينار، فأبى أن يأخذها، [وقال: أنا في ضيافة أمير المؤمنين، ومن يكن في ضيافة أمير المؤمنين يقبح عليه أن يأخذ عطاء غيره] ، فقال [له] : فصلها [٤] إلى الفقراء، فقال هم على بابك أكثر منهم على بابي، ولم يأخذ شيئا.


[١] في «آ» و «ط» : «فأعينه» وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[٢] في «آ» و «ط» : «فأنصفه» وأثبت لفظ «ذيل طبقات الحنابلة» .
[٣] في «ذيل طبقات الحنابلة» : «وأحرى، من أعدّ» .
[٤] كذا في «آ» و «ط» : «فصلها» وفي «ذيل طبقات الحنابلة» : «فضها» .

<<  <  ج: ص:  >  >>