للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال: وعانيت من الفقر والنسخ بالأجرة مع عفة وتقى، ولا أزاحم فقيها في حلقة ولا تطلب نفسي رتبة من رتب أهل العلم القاطعة لي عن الفائدة، وتقلبت عليّ الدول، فما أخذتني دولة سلطان ولا عامة عما اعتقد أنه الحق، فأوذيت من أصحابي، حتّى طلب الدم، وأوذيت في دولة النظام بالطلب والحبس- فيا من خفت الكلّ لأجله لا تخيب ظني فيك- وعصمني الله تعالى في عنفوان [١] شبابي بأنواع [من] العصمة، وقصر محبتي على العلم وأهله، فما خالطت لعّابا قطّ، ولا عاشرت إلا [٢] أمثالي من طلبة العلم.

والأذية التي ذكرها من أصحابه له، وطلبهم منه هجران جماعة من العلماء، نذكر بعض شرحها، وذلك:

أن أصحابنا كانوا ينقمون على ابن عقيل تردده إلى ابن الوليد، وابن التبّان [٣] شيخي المعتزلة، وكان يقرأ عليهما في السرّ علم الكلام، ويظهر منه في بعض الأحيان نوع انحراف عن السّنّة، وتأول لبعض الصفات، ولم يزل فيه بعض ذلك إلى أن مات، رحمه الله.

ففي سنة إحدى وستين اطلعوا له على كتب فيها شيء من تعظيم المعتزلة، والترحّم على الحلّاج، وغير ذلك. ووقف على ذلك الشريف أبو جعفر وغيره، فاشتد ذلك عليهم، وطلبوا أذاه، فاختفى. ثم التجأ إلى دار السلطان، ولم يزل أمره في تخبيط إلى سنة خمس وستين، فحضر في أولها إلى الديوان، ومعه جماعة من الأصحاب، واصطلحوا، ولم يحضر الشريف أبو جعفر.

فمضى ابن عقيل إلى بيته وصالحه وكتب خطّه بالتبري من موالاة


[١] في «آ» : «عنوان» وهو خطأ.
[٢] في «ط» : «من» .
[٣] في «ط» : «وابن التباني» .

<<  <  ج: ص:  >  >>